خمسون كتابا ً | دروس التاريخ

Date
أكتوبر, 29, 2010

الكتاب السابع:
دروس التاريخ .
المؤلف: ويل ديورانت – آرييل ديورانت . ترجمة : علي شلش
الناشر: دار سعاد الصباح.
عدد الصفحات: ٢٠٤ صفحات
Read from September 16 to 20, 2010
استعرت الكتاب من أحد الصديقات وقمت بإعادته.

http://photo.goodreads.com/books/1284386285l/9053699.jpg

قام ويل وزوجته ارييل بتأليف هذا الكتاب بعد انتهائهم من تأليف ونشر كتاب قصة الحضارة الضخم وكأنه في رحلته عبر التاريخ يقدم دروسا مستفادة وعبر من التاريخ الذي يكرر نفسه بصورته العامة..  يتكون الكتاب من ١٣ فصلا مختلفة الطول.. يعنون الفصول بعامل أو عنصر في حياة الانسان وعلاقته بالتاريخ وما قدم عبر العصور السالفة:
-ألوان من الحيرة
-التاريخ والأرض
-البيولوجيا والتاريخ
-العرق والتاريخ
-الشخصية والتاريخ
-الأخلاق والتاريخ
-الدين والتاريخ
-الاقتصاد والتاريخ
-الاشتراكية والتاريخ
-الحكومة والحرب
-التاريخ والحرب
-التطور والتحلل
-هل التقدم حقيقي
-وينتهي الكتاب بالهوامش..

الفصل الأخير حقيقة هو ما حرضني على التفكير أكثر بين فصول الكتاب.. إذ أنه يقدم تساؤلات كفيلة بجعلك تعيد النظر إلى واقعك وارتباطه بالتاريخ وعلاقته بالمستقبل.. تشكل وجهة نظرك للحضارة من جانب آخر ووجهة نظر تاريخية تؤمن بأن الحضارة تولد وقد تموت أو تركد.. وعملية التقدم هي نقل الحضارة إلى كل جيل عبر التعليم والوعي.. والوراثة في مسألة الحضارة شيء باطل.. فالحضارة لاتورث.

قبل أن أبدي ملاحظاتي على الكتاب أود أن أشكر المترجم.. أعتبر ترجمته من أفضل التراجم التي قرأتها.. واضحة ،ميسرة وغير ركيكة على الإطلاق.. كما كان جهده رائع إذ أضاف بعض الهوامش والتعريفات لبعض الاشخاص الذين تم ذكرهم في الكتاب وقد لايكونون معروفين لديك، فتكلف المترجم مشكورا بتوضيح بعض النقاط لأن الكتاب يبدو لي موجه شخصيا للغرب الذين هم على علم ببعض المسميات والتاريخ الاغريقي وشخوصه و و و .

الفصول الأولى جميلة لكني أرى أن الكتاب يضعف من المنتصف حتى قبل الفصل الأخير..  في هذا الكتاب وعلى مدى رحلته المبسطة للتاريخ عرفت أن البشر حين يطلقون العنان لأنفسهم ورغباتهم يصبحون وحوشا.. يتعطشون للملك والثراء ولو كان على حساب الآخرين.. يقتلون.. يفرضون أحكاما مستبدة ولايهمهم إطلاقا طبقاتا لفقراء والضعفاء وكم ستتسبب لهم هذه الاحكام من قمع وطحن ! أول درس من التاريخ أن الإنسان مرعب إذا صب اهتمامه في المال والملك ..

في نظري الكاتب يحتاج إلى نظرة إسلامية أعمق تهذب بعض نظرياته.. هناك بعض وجهات النظر والأفكار التي طرحها لا أتفق معاها إطلاقا وأشعر أن هناك أحكام تطلق من واقعه وبيئته فلاتعُمم.. لا أعرف لمَ لكني فعلا شعرت أنه بحاجة إلى نظرة إسلامية. مثلا في جدول العادات للإنسان شعرت بأن هناك مغالطات مثل النوم لايعتبر سلبيا! إلا إذا كان زائدا عن الحد.. وكذلك المغازلة ليست شيء ايجابي على إطلاقها..

وهناك نقطة نبه لها المترجم أيضا.. يقول ديورانت أن اليهود أعطوا محمد -والنصارى ايضا- شيء مهم لرسالته وكتابه.. يقصد أن رسولنا الكريم اقتبس من التوراة أو من التراث اليهودي.. ولمثل هذا أقول أنه ينظر للأمر بزاوية واحدة ولم يجرب أن يتعمق في النظرة الاسلامية كما تعمق في تاريخ الإغريق! فليس من المعقول أن يكون رجل مثل ويل باحث وقارئ ومؤرخ يعتقد أن القرآن إنما هو اقتباس من التوراة.. القرآن وحي وهذه النظرة أساءت لي وستسيء لكل مسلم.. اليهود والنصارى لم يعطوا شيء لرسولنا الكريم.. القرآن وحي من الله.. واليهود إن كان لايعلم فهم من أشهر الناس في تكتمهم على العلم وحوادث النبوة..

في الكتاب نقطة ذكرها في فصل التاريخ والدين.. أنه قامت حروب على رجال الدين والكنيسة والتشدد ونبذ العقل الذي حصل في العصور الوسطى وهذا مايحدث الآن لدينا.. وإن استمر الوضع أخشى ان يكون الدين لدينا شيء يضيق وليس يوسع.. ولكم أن تلاحظوا الوضع الحالي من كثرة الهجوم على المتدينين وعلى أسلوبهم وأقصد من لمتدينين النوع المتشدد جدا .. لاحظوا كثرة الهجوم مثل مسلسل طاش ماطاش وغيره حتى من بعض الدعاة أنفسهم.. ربما يتطور هذا النقد إلى هجوم شرس فيجب ان يعي رجال الدين ان الدين أوسع من نظرتهم الضيقة وأن لايتحدثوا باسم الدين في كل نظراتهم الشخصية المتشددة .. وإلا سيزداد الهجوم وسينبذ الدين سنون طوال بسبب مافعلوه.. تماما كما حصل في العصور الوسطى والتخلف الكنسي.. وهذا من دروس التاريخ العظيمة..

الدرس الذي يجب أن نستفيد منه هو إصلاحات صولون في أثينا.. إصلاحاته التي أنقذت أثينا من الثورة والدمار والتي لم تستغرق سوا جيلا واحدا! ولذلك يقول ويل : “الآثار التي تحدثها الثورة يمكن تحققها بدونها، من خلال الدفع التدريجي للتطورات الاقتصادية”.. فالثورة ليست دائما حل ..

يسمي ويل الكتاب دروس من التاريخ بينما كان يجب أن يسميه دروس من التاريخ الاوروبي والاغريقي والامريكي .. لأني أجد تجاهل و اغفال شديد لتاريخ الحضارة الاسلامية وركز على التاريخ الاوروبي والامريكي.. ولم يذكر تجربة الدول الاسلامية على الاطلاق ! بينما استمرت دول الخلافة الإسلامية لأكثر من ١٠٠٠ سنة! إجحافه هذا غير معقول..

من ماخرجت به وأراه صحيح جدا من دروس التاريخ أن النظام عندما يورث للأبناء أو للعائلة سيتولد استبداد أو جهل من الحكام أنفسهم.. بينما لا بديل لنظام اختيار الأجدر.. وهو ما أثبت فعاليته عبر التاريخ.. وللحكم الاسلامي في أوله أكبر دليل في الخلافات الراشدة.

قدم لفتة جميلة جدا جدا عن الفن الهابط الذي نراه اليوم وعلاقته بالديموقراطية.. بتعليل منطقي رأيت فيه الكثير من الصحة والاسقاط على الواقع..

الفصل الأخير  هو أجمل ما في الكتاب في نظري.. لأنه يطرح تساؤلات واشكاليات عن التقدم .. وهل وضعنا الحالي أفضل من سابقنا ولم في كل مرة نتمنى العودة للماضي وحياة الاجداد ولابطأ مع أننا نعيش فس عالم سرعتته مضاعفة في كل شيء..  الكتاب جدير بقراءة المهتمين بالتاريخ.. لكن الكتاب طبعا عمل بشري بحت يحتوي الكثير من النقص وعدم وجود رؤية أشمل وأكثر حيادية للتاريخ.

اقتباسات:

لايوجد مثال ذو دلالة في التاريخ قبل عصرنا لمجتمع ناجح في صيانة الحياة الأخلاقية بدون معونة من الدين.. وقد قامت فرنسا والولايات المتحدة وأمم أخرى بفصل حكومتها عن جميع الكنائس ولكنها لجأت إلى معونة الدين في المحافظة على النظام الاجتماعي. ولم تتحلل من الارتباط بالدين بل لم تتبرأ من معونته سوى بضع دول شيوعية.

حين تكون الملكية وراثية يغلب عليها أن تثمر من الغباء ومحاباة الأقارب والاستهتار والتبذير أكثر مما تثمر من النيل والشهامة أو فن الحكم.

لقد تضمن تقدمنا في العلم والتقنية مسحة من الشر مع الخير. ولعل ألوان الراحة والفائدة التي عادت علينا أوهنت قدرتنا البدنية على الاحتمال، وأضعفت طبعنا الأخلاقي. فنحن طورنا وسائل انتقالنا تطورا هائلا ولكن بعضنا يستخدمها في تسهيل الجرائم وقتل إخواننا أو قتلنا.. وضاعفنا سرعتنا مثنى وثلاث ومائة مرة ولكننا نحطم أعصابنا أثناء ذلك، ونحن نصفق لأدوية الطب الحديث وجراحاته إذا لم تؤد إلى آثار جانبية أسوأ من المرض ونعجب باجتهاد أطبائنا في سباقهم المجنون مع مرونة الميكروبات وقدرة المرض على الابتكار،، ونشكر لعلم الطب تلك السنين الإضافية التي يمنحنا إياها إذا لم تكن إطالة مرهقة للمرض والعجز والغم.. وقد ضاعفنا مائة مرة قدرتنا على العلم بحوادث اليوم والكوكب ونقلها للغير ولكننا أحيانا نحسد أجدادنا الذين لم يكن يعكر سلامهم تعكيرا خفيفا سوى أخبار قريتهم.. وقمنا مشكورين بتحسين ظروف الحياة للعمال والمهرة والطبقة الوسطى ولكننا تركنا مدننا تتقيح بالأحياء المظلمة التي تتكدس فيها الأقليات والأحياء الفقيرة الموحلة القذرة.

التاريخ فوق أي شيء آخر هو إبداع ذلك التراث وتسجيله والتقدم هو وفرته المتزايدة وحفظه وإذاعته واستعماله. أما أولئك الذين يدرسون التاريخ بيننا لابصفته مجرد تذكرة للتحذير من حماقات الإنسان وجرائمه وإنما بصفته أيضا تذكارا مشجعا للنفوس المبدعة فإن الماضي يكف في نظرهم عن أن يكون باعثا علي الغم والخوف بل يصبح مدينة سماوية وموطنا فسيحا للعقل حيث يواصل ألوف القديسين والسياسيين والمخترعين والعلماء والشعراء والفنانين والموسيقيين والعشاق والفلاسفة العيش والكلام والتعليم والنحت والغناء. وسوف لا يحزن المؤرخ لأنه لايستطيع أن يجد للوجود الإنساني معنى إلا مايضيفه عليه الإنسان. فليكن من دواعي فخرنا أننا أنفسنا نستطيع أن نضفي على حياتنا معنى، وأن نكسبها أحيانا مغزى يسمو علي الموت. فالإنسان إذا حالفه الحظ سوف يقوم قبل موته بجمع أقصى مايستطيع من تراثه المتحضر ونقله إلى أولاده وسوف يشعر بالامتنان حتى آخر رمق فيه نحو هذه التركة التي لاتنضب، وهو يدرك أنها أمنا التي تمدنا بالغذاء وحياتنا التي تدوم.

نوال القصيّر

1 Comment

  1. رد

    روح قلم

    أكتوبر 29, 2010

    السلام عليكم ورحمة الله وبركـاته

    مقال رائع ،، كعادتك ،، وبأسلوب ممتـاز 🙂

    لكـن لم أتشجع للكتاب كثيراً فأشـعر بأنـه لن يكون مختلفاً عن قصة الحضارة الذي إلى الآن أنتظر قدومه من لبنان :he

    المـهم ،، لكـن لدي ملاحظة بسيطة : عند ذكرك لعلم والكنيسة ،، من وجهة نظري : نحـن هنا لن نستطيع أن نعمم النظرة الكنيسية على العلم ،، لكُل الأديان ،، كما فعل النصارى ،، فنـحن في ديننا لدينا إتساع شاسع يسمح لنـا بالكثيـر ..

    [ المشايخ ] هنا ،، لا أعتقد نظروا لـ مسلسل طاش ما طاش نظرة شخصية ! .. بل نظرة شرعية فقهية .. وكـان بطاش فعلاً الكثير من التجاوزات التي لا يخلو منها أي مسلسل ..

    ليس لدينا تعصب شخصي لفكرة شخصية محضة .. كما فعلت الكنيسة لعلماءها .. ،، وهذا يظهر جلياً في الكثير من علماءنا : يـعني ،، لـو نظرتِ بأن أشهر علماءنا السالفين كابن سينا والرازي وغيرهم .. كان بعضهم يؤمن بمعتقدات خاطئة .. لكـن هل تصرف علماء الدين ،، بطريقة مجحفة كما تصرفت الكنيسة .. ؟

    لا أدري لكـن لا أجد أي وجه مقارنـة بين الكنيسة والعلم وبين ما نحن عليه الآن .. 🙂 وأتفق معكِ في أن يوجد ضيق أُفق لتمسك البعض بالعادات والتقاليد التي لا يمكن أن ننسبها للدين .. لكـنها في كُل الأحوال لا تشابه تصرفات الكنيسة الخرقاء !

    آمل أنني لم أزعجكِ بردي .. لكـن أحببت عرض وجهة نظـر 😉

    ودي : روح قلم

Leave a comment

Related Posts

لمحة

بكل عاديتي وبساطتي وتعقيدي أكتب وأدوّن حتى أنمو أولاً ومن أجل الأثر ثانياً. مدوّنة نوال القصير عمرها طويل فقد ولدت في عام ٢٠٠٦ تعثرت كثيراً وهُجرت أيضاً ولكنها شهدت أعوام من الالتزام بالكتابة. تطوّرت وتراجعت ثم عادت للحياة مرات كثيرة كنبتة جفّت ثم انعشها المطر. أكتب عن الكتب والقراءة، عن كل المفاهيم والقيم التي أعيشها أو أرغب العيش بها ومعها. مدونة للأيام الجيدة والسيئة.

موصى بقراءته