الآية الثامنة عشر: قد نرى تقلب وجهك في السماء

Date
أغسطس, 08, 2011

 أذهب وأرجع مرة أخرى لأقرأ هذه الآية، وقد تأملت فيها طويلا. طويلا إلي الحد الذي جعلني نهايةً أكتب مره أخرى في ” كلام الله “.
بدءًا، أنا لا أستطيع ولا أعدك بترجمة مشاعري وتأثير الآيات علي بالطريقة الأمثل، أحيانا يكون الشعور والأثر غير قابل للترجمة بما يفي هذا الأثر حقه ! ولعل هذه الآية قد بلغت في أعماق نفسي ما بلغته. أقرأها فأتوقف قليلا.. أُغلق المصحف.. ثم أعود مرة أخرى لقراءتها .. فأتوقف. حتى أنتبه أنه يجب أن أكمل بقية الآيات .

يسحرني لطف الله ورحمته في هذه الآية، يسحرني فيها أمنية ورغبة قوية تتردد في خاطره عليه الصلاة والسلام، الرغبة القوية في أن تكون مكة ، مكة التي ولد فيها، مكة التي فيها بيت الله، في أن تكون مكة قبلة للمسلمين، بعد ما سمع من الكلام – من اليهود – ما يؤذيه ويؤذي المسلمين في دينهم، لم يصرح يوما بها.. لم يدع بها.. لكنها كانت رغبة وأمنية قوية.. تجعله يقلب وجهه في السماء.. والله يعلم ، يعلم سرنا ونجوانا.. يعلم ما نريده قبل أن نعلم به أصلا.. لذلك.. استجاب الله لهذه الأمنية التي ما كانت سوا ” تقلب وجه في السماء ” لكن الله يعلم، الله يعلم.

لم يدع الرسول عليه الصلاة والسلام بها صراحة، ولم نجد في الأثر ما يقول أنه دعا بها، والقرآن واضح في أنها كانت أمنية له، تتفق مع مقاصد الاسلام طبعا – لم يتعد تعبيره عنها بتقليب وجهه في السماء. ولأن الله يريد بنا الخير، ولأنه لايمنعه عنا، ولاه القبلة التي يرضاها، على الرغم أنه لم يدع بالدعاء -الذي وضعوا له تقليديا شروطا كثيرة – أكثر من اللازم – – لكن لأن الله يعلم مانخفي وما نعلن علم أن هذه الأمنية تحتل الشيء الكثير من قلبه، فاستجاب الله له، لأنه يعلم. وأنتم لا تعلمون..

أفكر كثيرا، كم من الأمنيات التي نحملها داخلنا، وربما لم نترجمها يوما لدعاء ! ولربما أخبرنا الشيطان أن الدعاء لا يستجاب إلا إن كنت ملاكا بدون معاصي حتى يصدنا عن الصلة بالله، ولربما ولربما.. لكن هذه الأمنيات تبقي حبيسة داخلنا، نتمناها بشدة.. فتحدث! ليس لشيء، لأن الله يعلم ولأنه  رحيم يؤتينا من كل ماسألناه (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) استجاب لهذه الأمنيات..

تجعلني هذه الآية أفكر كثيرا أنه من خلالها ندرك أكثر اسم الله : العليم . اسم الله الذي نكرره في نهاية الآيات بدون أن نسشتعره في حياتنا تماما. في هذه الآية ما يجعلني أدرك أكثر من أي شيء أن الله هو ( العليم ) ، وأنه يسمع سرنا ونجوانا، ما قلناه وما لم نقله ! يعلم أمنية في صدورنا، ويسمع لنداء خفيا ( إذ نادى ربه نداء خفيا ) فيه من الصق أكثر من أي شيء.

يريحني كثيرا أن الله يعلم، فكلما تعرضت لظلم أو قهر أو سيطرت علي رغبة قوية في شيء لا يغضبه أرتاح كثيرا أنه يعلم.. يعلم ما أريده ويعلم وحده كل ما تمنيت الحصول عليه /تحقيقه.. يعلم قبل أن أعلم أنا، يعلم قبل أن أدرك ما أريده. يعلمها وإن لم أترجمها لدعوات منمقة، يعلمها ويعلم صدقي في رغبتها، فيحققها لأنه يعلم ولأنه أقرب إلينا من حبل الوريد..

هذا الذي حقق للرسول عليه الصلاة والسلام أمنية عالقة في قلبه، وهو لم يدع بها ، قادر على أن يحقق كل مادعوناه به يوما، وكل ما لم ندعه به. هذا الذي من رحمته حوّل القبلة لما يرضي حبيبنا عليه الصلاة والسلام، قادر على أن يحول حياتنا لما نريده وأكثر ، وأفضل.. هذا الذي يعلم الأمنيات الصامتة والرغبات الساكنة قادر على أن يجعلها حقيقة نرضاها.

لا تركنوا أمنياتكم في قلوب راكدة ! أظهروا صدق رغبتكم فيها، قلبوا وجه أمنياتكم في السماء فالله يعلمها وسيستجيب، ادعوه بها ، وسيجل حياتكم حياة ترضونها، سيرى الله أمنياتنا وتقلب وجوهنا طمعا بفضل ورزق إلهنا الذي في السماء،  ليس يعجزه شيء، لا في الأرض ولا في السماء ، فكيف بأمنيات ؟

* إن كنت قد فهمت أني أقول: لاتدعوا. فأرجوك أعد قراءة التدوينة،، أنا فقط ألفت النظر لقرب الله منا !
* تعقيدات الدعاء وصلت عند البعض للحد الذي يجعل المرء يترك الدعاء – وقد رأيت وعشت مثل هذه المواقف – فأحدهم يوصي بعدم الدعاء إلا بالفصحى، وعدم الدعاء إلا بالجمل الفلانية، الأمر الذي جعل هناك العديد من الحواجز والقليل من الصدق في الدعاء ، والكثير من ترديد الكلام بدون الشعور به حقا،، لاتجعل أحدا يتدخل في حديثك مع الله طالما لم تخرج عن حدود الأدب والسنة، أخبر الله بما تريده فهو يعلم كل شيء، لاتحده حدود لغة ولا لفظ سبحانه، يعلم بأمنية لم تترجم لكلمات فكيف بكلمات من صميم صدقك ؟

 

نوال القصيّر

6 Comments

  1. رد

    أروى

    أغسطس 9, 2011

    ياااا الله ما الطفك وما أكرمك ()
    نوال .. ربي يحقق لك كل أمنياتك يا رائعة ! r5

  2. رد

    إكليل

    أغسطس 9, 2011

    الله يسعدك و يزيدك و يفتح عليك فتوح العارفين .
    وصل و الله وصل . انتقل الشعور ، و لا أحسن نقله .
    يكفي أني أحسست و اهتز وجداني . لكم كان رسولنا نبيلًا و مهذبا .
    ما أشعر به يخفق بي . جزاك الله خيرا آمين مين آمين

  3. رد

    someone

    أغسطس 9, 2011

    🙂 (F)

  4. رد

    نوف

    أغسطس 9, 2011

    الله يحقق كل أمنياتنا يارب 🙁
    يا زين الدعاء افرشي سجادتك وسجدي لله خليك قريبه من الله واشكي حالك
    احيانا افكر وقول كيف اشكي حالي ؟ الله عارف كل شئ
    موب زي البشر يجهلون
    ادعي وبس ..
    لكن اكتشفت ان شكوا الحال لله ودعاء اقرب لحضور القلب في دعاء
    لكن ادعي وقول كل الي بخاطري وارتاح احس اني فرغة الي بخاطري

  5. رد

    عبير عبد الرحمن

    أغسطس 14, 2011

    ياااااااااااااااااااااااالله..أحبكـ ..بقدر ماأحبكـ
    أسعدهااااااا في الداااااارين

  6. رد

    لووشة

    نوفمبر 4, 2011

    الله يحقق أمنياااااااااااااااااااتك يانوال.. r5
    الله يرزقك جنة عرضها السماوات والأرض..بقد ماتزرعي فينا التفاؤل وحسن الظن.. :v: :v:

    الله يسعدك ويملئ قلبك باليقين..

    نوال إنت هدية من الله..والله يانوال”مايصير لي شيء إلا تتكلمي عنه أو ألقاه بمدونتك فجأة”
    الله يسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسعدك وكفى r5 r5 r5

Leave a comment

Related Posts

لمحة

بكل عاديتي وبساطتي وتعقيدي أكتب وأدوّن حتى أنمو أولاً ومن أجل الأثر ثانياً. مدوّنة نوال القصير عمرها طويل فقد ولدت في عام ٢٠٠٦ تعثرت كثيراً وهُجرت أيضاً ولكنها شهدت أعوام من الالتزام بالكتابة. تطوّرت وتراجعت ثم عادت للحياة مرات كثيرة كنبتة جفّت ثم انعشها المطر. أكتب عن الكتب والقراءة، عن كل المفاهيم والقيم التي أعيشها أو أرغب العيش بها ومعها. مدونة للأيام الجيدة والسيئة.

موصى بقراءته