الشتاء في الرياض فصلي المفضل بدون منازع، فشخص مثلي يكره حرارة الصيف المرتفعة التي تسبب له مزاج سيء حتمًا سيكون الشتاء في الرياض فصله المفضل. أحب طقوسه على الرغم من أنه فرصة للإصابة بالفيروسات وأمراض الانلفونزا لكن يبقى الشتاء جميل وذكرياته الأفضل على الإطلاق. الخروج بدون الانصهار تحت الشمس ، الفرصة للمشي لوقت طويل في الخارج بدون أطنان العرق و الحرارة الملتهبة. ملابس الشتاء الأنيقة التي تراها في الصور، في المحلات وتلك التي قد تمتلكها في خزانتك. دائمًا الشتاء يعني التحلق حول المدفأة في ليالي باردة، مع عائلتي وأكلات أمي الشهية جدًّا التي تصنعها خصيصًا في فصل الشتاء. بدءًا من القشد وانتهاءًا بالطبق الشعبي اللذيذ المرقوق، والذي لا أتصوّر أني سأتناوله بلذاذة من غير يد أمي العظيمة. سأتحدث اليوم عن ثلاث أطباق مختصة بالشتاء، تُصنع من أجل الليالي الباردة و طقوسها تتناسب مع اجتماع بجانب المدفأة مع القهوة العربية، أو الحليب الساخن بالزنجبيل. مكوّناتها صحية وطبيعية، لكن بطبيعة الحال الإكثار منها فوق الحاجة سيزيد الوزن.

 

الفريك:

 

 

لم أجد تأريخ ملائم لهذه الأكلة، على الأقل لم أقرأ في ما أعرف من مصادر عن أصلها ونشأتها، فغالبًا ماتحكي الأطعمة التي تتناولها الشعوب الكثير. لكنّي أعتقد أنها طبق نجديّ، ظهر من مكونات المطبخ البسيط آنذاك، التمر والدقيق والزيت والماء. تصنعه أمي كأجمل ما تذوقت. ولأن فيه “طعم أمي” فلن أستطيع نقل الوصفة كما هي. لكن تعجن أمي الخبز بخلط دقيق القمح البر، مع الماء وقليل من الملح والبهارات. ثم تكوّر العجينة إلى قطع صغيرة وتدعها تخمر وقت بسيط من الزمن. ثم تفردها بيديها وتخبزها في “تاوة” ( من أجل ذلك تطلق عليه اسم خبز تاوة ) مدهونة بسخاء بزيت زيتون.. تقلب الخبزة للجهة الأخرى بعد نضج الجهة الأولى. وهكذا واحدة تلو الأخرى. ثم تقوم بفرم خبز التاوة مع تمر ( مكنوز ) بآلة نملكها منذ مايزيد عن العشرين سنة، وتضيف القليل من الزنجبيل -حسب الرغبة- وربما الكركم. وتخلطهم حتى تتجانس المكونات، مراعية نسبة التمر إلى الخبز. ثم نتمتع بأجمل فريك تصنعه أجمل يد. أحب تناوله على الإفطار أحيانًا، ومع القهوة العربية في وقت المغرب مع الأهل أحيانًا أخرى.

 

 

تمر معجون بالاقط:

الاقط:

هو من طعام البادية وهو طريقة للإستفادة من الحليب في أيام الوفرة في الربيع، حيث يكثر الحليب بسبب وفرة المراعي الخضرا بعد هطول الأمطار، فكانوا يخضون الحليب حتى يصير لبناً وهو حامض الطعم، وغالباً ما يقدم مع الشاي وهو لذيذ الطعم جدا خاصة إن كان جديد وليس قديم أو يقومون بطحنه بودرة بعد إعداده وتنشيفه ثم يؤكل مع التمر، يعني يأخذون التمر الممروس على شكل كور صغيرة ثم يدحرج على الإقط المطحون فيجتمع لك طعمان الحالي والحامض. – ويكبيديا

قرأت أيضًا أن الاقط قديم جدًّا، ومعروف في تهامة ونجد قبل الإسلام. لكني لا أعرف صحة هذه المعلومات.. لا أتقبل الاقط إلا مع التمر. وأمي أيضًا وأختي يصنعانه كأجمل ما يكون. لي تجارب ناجحة في تحضيره بإشراف أمي. تحضيره سهل ولا يتطلب سوا جودة المكونات.. اختاروا تمر مكنوز (التمر الأسود) بجودة عالية، والأفضل نوع خلاص. ثم تخلصوا من النوى في كل الحبات.. بعد ذلك قوموا بطحن الاقط، بحيث لا يكون ناعم جدًّا ولا خشن. (أيضًا نوع الاقط سيساهم في الطعم ، لذلك اختارو نوع ممتاز بطعم شهي، خالي من الرائحة الكريهة، بدرجة رطوبة مناسبة) . بعد ذلك ضعوا التمر بدون النوى في إناء كبير واسع، وأضيفوا له بضع ملاعق من زيت نباتي، ثم انثروا فوقه بعض من الاقط المطحون.. بيديكم اعجنوا المكونات بقوة، حتى يتغير لون التمر للذهبي، ويتداخل معه الاقط. قوة العجن تساهم في تليين التمر وجعل قوامه كعجينة. أضيفوا القليل من الزيت في حال وجدتم صعوبة في العجن، فمن شأن الزيت أن يسهل العملية. ثم أضيفوا بقية الاقط بالتدريج حتى تصلوا إلى الدرجة التي تحبونها من كثافة الاقط. غالبًا نقوم بتكوير المزيج وتقديمه مع القهوة. أو تناوله بصورته الأساسية بعد العجن. أقوم بتسخينه بعض المرات قبل أكله ، ثواني في المايكرويف كفيلة بجعله ليّن وساخن ويتلائم مع ليلة شتوية وقهوة عربية بالزعفران والهيل.

 

القشد:

القشد أيضًا من المأكولات التي أعتقد أنها نشأت في الخليج وصحارى نجد وجبال تهامة، وكل منطقة تصنعها بطريقتها المخصصة والتي تتلائم مع احتياجاتها وتوافر المكونات. بعضهم يصنعها بالسمن والآخر بالزبدة. رياح التغيير والتمدن طالت القشد أيضًا فرأيت من يصنعه مع بسكويت دايجستف، وآخرين يحضرونه بالأوريو !!! وللناس فيما يعشقون مذاهب :). لكنّي تقليدية جدًّا وأحبه كما تحضره أمي بالطريقة التي عرفتها من أهلها وهي صغيرة.  مشكلة القشد الخطورة العالية جدًّا لزيادة الوزن، لمكوناته الدسمة والمليئة بالسعرات الحرارية العالية. طريقة أمي في تحضيره تكون بالزبدة وليس السمن، مع دقيق البر، و تمر خلاص مكنوز. تقوم بتسخين الزبدة حتى تذوب ثم تضيف دقيق البر ، وتستمر بالتقليب حتى تفوح رائحة شهيّة، تشعرك بالدفء قبل أن تبدأ في تناوله. ثم بعد ذلك تضيف التمر منزوع النوى،وتستمر بالتحريك حتى تختلط المكونات مع بعضها على نار هادئة تفاديًا لحرق الزبدة والدقيق. في آخر مرحلة تسكب أمي اللبن على الخليط وتستمر بالتحريك حتى تتجانس كل المكونات. سعرات حرارية دافئة سعيدة يا أصدقاء.

 

 

نوال القصيّر

4 Comments

  1. رد

    صفاء

    ديسمبر 22, 2016

    ماشاء الله، يبدو لذيذا وشهيا ، شكرا على مشاركة هذه الثقافة الجميلة، وبالمناسبة أنا كذلك أعشق فصل الشتاء ولا استحمل الصيف.

  2. رد

    أروُى الهَاجري

    ديسمبر 24, 2016

    تدوينة دافئة يا نوال ()
    القشد هو المفضل بالنسبة لي، يفوز على الحنيني والمحلّى أيضًا P:
    طريقة تحضير أمي له تختلف عن طريقة والدتك حفظها الله، فأمي تقوم بتذويب الزبدة ثم ثضيف إليه تمر الخلاص، بعد ذلك تضيف بالتدريج حليب بودرة وسميد محمران مسبقًا على نار هادئة!

  3. رد

    مُدونة إيمان Eman's blog

    ديسمبر 26, 2016

    تدوينة لذيذة

    في الحجاز لليالي الشتوية تفوز العصيدة إن كانت بالتمر
    أو بالبر فقط والقهوة الحلوة(قهوة اللوز) والسحلب

  4. رد

    Roro

    ديسمبر 27, 2016

    بالنسبة لي الطبق الوحيد الذي آكله واشتهيه دائما القشد 💘
    ولذيذ بكافة الطرق !
    طريقتنا نفس طريقة أمك بس نستخدم تمر سكري ..
    جربت قشد مودرن بالسميد و الحليب المحموس وبرضو لذيذ 😁❤
    بس أزمة كمية الكالوريز وتأنيب الضمير ..
    أكلته للآن 3 مرات وجالسة أصبر نفسي ماله داعي الكالوري ..أو على الاقل الين يبرد الجو 😅

Leave a comment

Related Posts

لمحة

بكل عاديتي وبساطتي وتعقيدي أكتب وأدوّن حتى أنمو أولاً ومن أجل الأثر ثانياً. مدوّنة نوال القصير عمرها طويل فقد ولدت في عام ٢٠٠٦ تعثرت كثيراً وهُجرت أيضاً ولكنها شهدت أعوام من الالتزام بالكتابة. تطوّرت وتراجعت ثم عادت للحياة مرات كثيرة كنبتة جفّت ثم انعشها المطر. أكتب عن الكتب والقراءة، عن كل المفاهيم والقيم التي أعيشها أو أرغب العيش بها ومعها. مدونة للأيام الجيدة والسيئة.

موصى بقراءته