*

لم تكن الكتب قديما تقدم في أغلفة جميلة ومصنوعة بشكل باهر، ولم يكن هناك اهتماما بشكل الغلاف والانطباع الذي قد يوصله للقارئ / المشتري. كان القارئ يشتري الكتاب حسب حاجته أو حسب أسباب أخرى، أما مع تطور الطباعة وثورة التكنلوجيا والتصميم ، أصبح الغلاف من أهم الأمور التي يتم أخذها بعين الاعتبار عند طباعة الكتاب. قد قرأت من قبل أن متوسط ما يمضيه القارئ في النظر لغلاف كتاب هو ٨ ثواني للغلاف الأمامي، و ١٥ ثانية للغلاف الخلفي.. هذه ال ٨ ثواني قد تكون كفيلة بقرار حاسم .. أن يشتريه ، أو لا، أن يتابع اطلاعه للغلاف الخلفي أم يعيده إلي مكانه في الرف ؟ خصوصا عندما يكون الشخص يتبضع كتبا لايحمل عنها أي أفكار مسبقة أو توصيات.

لا يوجد اهتمام بشكل الأغلفة في الكتب العربية إلا ماندر.. الحقوق ضائعة عائمة في معظم الأغلفة، ناهيك عن تكرار الخلفيات المموجة في كل الكتب وكل المواضيع من بعض دور النشر. وذلك يدعوني للاستغراب بشدة ، لأني أجزم أن ليس هناك من نقص في المصممين المبدعين، نلتقي كثيرا وبسهولة بمصممين ومصورين متمكنين جدا من صنع جمال ساحر، لكن يبدو لي الخلل هو عدم الإحسان في مانصنعه + تعيين الأشخاص الغير مناسبين لمثل هذه الأمور.

على عكس ذلك هناك العديد من الأفكار القوية والتنفيذ الجميل ، والبساطة الساحرة في أغلفة كثييير من الكتب الأجنبية. لست أقول أننا لانستطيع أن نصنع مثلهم، لدي ثقة كبيرة بجمال مانصنع، وربما أفضل ، لكننا نحتاج أن نبحث عن الأشخاص المناسبين للعمل.

لا أخفيكم كثيرا أن غلاف الكتاب يتدخل كثيرا في قراري لشراء الكتاب من عدمه، من التقاطه من الرف أو لا أصلا ! وهناك كتب كثيرة أجدها أقرب للمثالية لكن يفسدها غلافها البعيد تماما عن محتواها أو المتواضع جدا أمام مايقدمه الكتاب.

سأتحدث بشكل مبسط عن تصميم الأغلفة وما الذي يشد القارئ وكيف نطور من تصاميم أغلفة الكتب العربية.

* اعرف الكتاب وعن ماذا يتحدث:
بالنسبة لي قراءة مصمم الغلاف للكتاب أمر ضروري جدا ، قد يبدو صعبا في الكتب الكبيرة جدا والتي تحمل محتوى غير سهل لكنه على الأقل يجب أن يكون عارفا بفكرة الكتاب وملم ببعض المحتوى حتى يستطيع أن يعبر عنه بصورة أو رسمة تمكن القارئ من تكوين انطباع أولي جيد عن الكتاب. عدم فهم المصمم للكتاب أو عدم اخلاصه في محاولة الإلمام بالكتاب قد يؤدي لغلاف بعيد كل البعد عن محتوى الكتاب ، أو غلاف لايحمل فكرة ولا جمال.

مثال: في كتاب التطهير العرقي في فلسطين:

أتكلم عن وضوح الغلاف و وموافقة الصورة لمايتحدث عنه الكتاب أو لبث انطباع للقارئ عن محتوى الكتاب.

أيضا مصمم هذا الغلاف يشعرني أنه قرأ وفهم الكتاب، بالمناسبة فلم هذه الرواية لطيف جدا : )

* من سيقرأ الكتاب ؟
يبدو مهما جدا أن نعرف هذا الكتاب موجه لمن ؟ للأطفال أم للمراهقين ؟ أم للكبار؟ . أم لشخص مثقف أم مفكر، أم باحث وطالب والأمثلة تطول. معرفتك بالشريحة الموجه لها الكتاب سيسهل عليك أمر تصميمه بشكل كبير، ستعود قادرا على تحديد العناصر والرموز التي ستسخدمها وتفهمها الشريحة الموجه لها الكتاب. مثال: كتاب يتحدث عن فوتوشوب لمرحلة متقدمة موجه بطبيعة الحال لمصممين متمكنين بعض الشيء فسيكون من السهل علينا تحديد ماذا سنستخدمه في الغلاف، ربما لوحة ألوان الفوتوشوب أو أحد أيقونات الفوتوشوب.. أو أي عناصر مقدمة بطريقة سيفهمها القارئ.

مثال:

* حاول إيصال رسالة الكتاب بعمل فني كغلاف:
كل الكتب وكل الأعمال الفنية الجيدة تؤدي رسالة لمن يقرأها – يراها. حاول أن تفهم رسالة الكتاب وأظهرها في الغلاف بشكل يجذب القارئ، فحين يتحدث كتاب تقني عن امكانيات الفوتوشوب في تعديل الصور سيكون مثل هذا الغلاف شيء ممتاز لادهاش القارئ:

وفي مثل هذا الغلاف نجد تخصيص موضوع وهو الطبقات في الفوتوشوب ،

* رتب الغلاف وتكوينه:
ترتيب الغلاف و ال – layout- مهم جدا، فللقارئ وقت غير طويل للنظر على الغلاف فيحكم عليه، حاول أن يكون مريح وغير مجهد للعين ، غير ممتلئ جدا وغير فارغ جدا. بعض العناصر عند وضعها على اليمين قد تختلف عن وضعها في الأسفل وهكذا.. كل هذا مهم في جذب القارئ لغلاف احترافي يستطيع إيضاح غرض الكتاب بكل وضوح. تأكد من حركة عين القارئ أن تكون سلسلة وغير متشتتة ويمكنها أن ترى كل المعلومات المهمة + العناصر المهمة لإيصار فكرة الكتاب. حجم العناصر خصوصا إن كانت كثيرة يجب أن يكون معقول بالنسبة للنصوص في الغلاف وبالنسبة لبعضها بعض. أيضا استخدامك الجيد واستغلالك ل المساحات البيضاء white spaces ينتج غلاف كتاب مُنافس.

كراكيب الكلام لسوزان عليوان جميل جدا جدا، واللاي آوت جدا متقن ومريح، ويتركز ثقل الغلاف في الأسف حيث لا شيء في الأعلى :

موفق في توزيع النصوص:

نلاحظ هنا التكوين الممتاز و وضع العناصر  وتوزيع النص، كما نلاحظ المسافة المعقولة بين العناصر وترتيبها اللطيف:

الفراغ هنا مريح ومقنع:

ممتاز جدا، استخدام ألوان الظروف للتعبير عن أمريكا :

النصوص والخطوط:
بالنسبة لي أكبر تحدي هي النصوص واختيار الخطوط وتوزيعها واختيار ألوانها. وكثيرا ما أخفق في ذلك . قد تصمم أو تصور شيئا جميلا جدا لكنك قد تختار خطوط سيئة وتكتب النصوص بشكل غير مقنع أو غير متقن ، وذلك للأسف قد يتسبب في تقليل جودة الغلاف. في النهاية القارئ سيبحث عن اسم الكتاب فيجب أن يجده بأحسن طريقة وبأحسن خط.. لا قيمة للخطوط الغير واضحة والتي تطلب من القارئ جهدا غير عاديا لقرائتها، من الأفضل أن يكون الخط مقروء وبسيط وبحجم مناسب خصوصا اذا كان الكتاب موجه لشرائح واسعة وعامة. ابرز اسم الكتاب بحجم أكبر من بقية المعلومات الأقل أهمية أو العناوين الفرعية. الخطوط المزخرفة كثيرا وخصوصا العربية لا أراها جيدة في نظري للقارئ. ترتيب النصوص قد يحسم الأمر لصالح الغلاف كثيرا. بل أن هناك الكثير من الكتب تعتمد أغلفتها على النصوص فقط أو typography .

استخدام شجرة الكريسماس لتوضيح موضوع الكتاب ، واستخدام النصوص داخلها:

هنا مثال ممتاز في استخدام النصوص لتخدم فكرة الكتاب:

* الفكرة:
الفكرة ربما هي أكثر ما يشد في الغلاف ! كثير من الكتب تقليدية لا نلاحظ أي جهد في انتاج فكرة راقية جميلة. حاول أن تقوم بعصف ذهني في كل مرة يوكل لك تغليف تصميم كتاب وقم بتسجيل الأفكار الطائرة التي تأتي من إلهام في وقت لست ملزم فيه بتصميم كتاب. ابتعد عن النمطية السائدة وابحث عن فكرة بسيطة قوية توصل الرسالة بسرعة و وضوح لكل القراء.

أعجبني كثييرا هنا كيف ابتعدت مصممة هذا الغلاف عن النمطية واستخدمت الشريط لإضافة المعلومات

*  الألوان :
الاهتمام بالألوان هو أحد مفاتيح الغلاف المؤثر، الابتعاد عن الألوان التي لاتعبر عن الموضوع والابتعاد عن كثرتها بغير تناسق قد يؤدي إلى تصميم غلاف جيد. احرص على اختيار ألوان مريحة ومعقولة تناسب الشريحة الموجه لها. مثلا في كتب الأطفال ستجذبهم الألوان المشرقة وفي كتب الروايات العاطفية السعيدة سيكون من الجيد استخدام الوان هادئة ومريحة تشعر بالحب. أيضا الكتب ذات اللون الواحد مع اختلاف لون النصوص والعنصر الواحد جذابة جدا في نظري.. كثيرا ماتجذبني الكتب ذات اللون الأبيض واأقل حد من العناصر فيها. البساطة كثيرا ما تأسر :

أيضا لاننسى أن التوجه الآن وبشدة نحو ال minimalist : ) . هناك ألوان رئيسية وهناك ألوان فرعية قد لاتناسب كتابة اسم الكتاب بها ، فيجب مراعاة هذه النقاط والمعايير . للألوان فلسفات عديدة تختلف باختلاف الشعوب وباختلاف المواضيع، فسيكون من الجيد لو اطلعت عليها بنفسك وبحثت عن مناسبتها لموضوع الكتاب الذي تصممه.

تناغم الألوان وبساطتها جميل وجذاب:

——–

هذه أمثلة لأغلفة كتب (قليل من كثيييير) تحبس الأنفاس لجمالها : ) ، تجمع بين قوة الفكرة والبساطة أو قوة التوزيع والاتقان في استخدام الألوان:

* حاول أن تتدرب كثيرا حتى ولو لم يكن لديك عمل فعلي، فكل ماتفعه الآن من تدريب وممارسة سيؤثر بشكل قوي وايجابي في عملك حين تكون  ملزما بذلك. بالنسبة لي أود أن أخوض هذا العمل فلعله يخرج مني بعض ما أريد أن أراه في أغلفة الكتب العربية، فأصبحت أتدرب كثيرا باختراع كتب وهمية ذات موضوع أحدده وأبحث عن فكرة له وأطبقها، أيضا إذا لم يعجبني غلاف كتاب حاولت أن أصمم له غلاف يناسب ما أراه.

* عندما تقارب على الانتهاء من التصميم استشر أحدا آخرا.. قارئ عادي ، هل سيجذبه هذا الكتاب؟ وهل سيتشريه بناء على غلافه ؟ خذ منه الملاحظات ونقاط القوة. في مرات كثيرة المستخدم العادي للكتاب هو الذي يدلي بملاحظات قوية مفيدة.

* حاول إيصال وجهة نظرك للمؤلف فيما تراه بعيون المصمم – الفنان بكل أدب، قد يخطئ المؤلف في اختيار غلاف أو تصور غلاف، فقل له ماتراه وأشعره أن القرار بيده لكنك تنصحه من باب الاختصاص.

* بقدر ماتبذل جهد في الغلاف الأمامي ابذل نفس الجهد في الغلاف الخلفي، فالشخص سيمضي ١٥ ثانية في الاطلاع عليه، اختر ألوان تناسب الغلاف الأمامي وتعينه على قراءة معلومات مهمة عن الكتاب كنبذة أو مقدمة مختارة من الكتاب.

* كُن أمينا في أفكارك ومصادرك في الصور واحفظ حقوق غيرك تُحفظ حقوقك، فذلك شيء ستحاسب عليه. لا تأخذ صور بدون إذن أصحابها أو بدون أن تشتريها منهم، لا تستخدم جهد غيرك لتصعد أنت. هناك العديد من المواقع التي توفر لك مصادر للتصميم بمبالغ معقولة .

* يجب على المؤلف أن يكون أحرص من غيره على اختيار مصمم ينتج له غلاف رائع كما أن لدور النشر دور في تعيين مصممين متمكنين أدواتيا ً و مفهوما. مللنا من الكتب ذات الخلفيات المتموجة والموحدة لكثير من الكتب، أتعجب كثيرا عندما أمر من دور نشر في معرض الكتاب وأجد دور نشر أغلفة كتبها كلللها على نفس النمط صورة في المنتصف وخلفية بيضاء وتكاد الصور تتشابه ناهيك عن أنها لوحات عالمية أو غير معروف مصدرها.. ماهذا ؟  ❓

* إن كنت مؤلفا  لاتبرز صورتك في الغلاف إذا كان الكتاب لايحمل سيرتك الذاتية أو شيء عنك شخصيا ! بالنهاية الموضوع يدور حول المحتوى وليس حولك. شخصيا لا أحبذ الأغلفة التي توجد فيها صورة المؤلف – فجأة – بين العناصر. – وجهة نظر شخصية –

—

بالنسبة لي لا أعرف كيف أقول أني أشعر كثيييرا بظلم كبير لعدة كتب قرأتها كانت رائعة وغير اعتيادية لكن الأغلفة كانت سيئة لدرجة كبيرة، مثال لا حصر:

* ضياع ديني
* حتى الملائكة تسأل.
* هدي السيرة النبوية في التغيير الاجتماعي.
يحمل الأخيران نفس الغلاف مع تغيير بسيط !!!! ماهذا ؟ دار الفكر دار عريقة وقادرة على استخدام مصممين مبدعين فعلا لكننا نجد أغلفة رديئة وتجارية وسريعة خالية من أي نظرة فنية.. أما كتاب ضياع ديني فأعتبره من أول الكتب التي تتحدث في واد والغلاف في واد آخر تماما ، ناهيك عن ضعفه فنيا !!

لم أحتمل النظر للكتاب فقمت بتصميم غلاف – تصميم الأسبوع –  فكرت فيه طويلا فوجدته مناسب لغلاف ضياع ديني ولازال يعتريه النقص الكثير لقلة خبرتي.

أظن أنني سأقوم بمراسلة الدكتور جيفري أو دار الفكر ليعيدوا النظر في الغلاف وسأعرض عليهم غلافي :].

أيضا هذا كتاب يتحدث عن أطفال عصرنا وعقدة الاستهلاك والماركات التي وصلت حتى لخزائن أطفالنا 🙁

محمد أحمد اسم وهمي طبعا 🙂 .

حقوق الأفكار + التصميم + الصورة محفوظة ولا أسمح باستخدام أي منها

لدي الكثير من المحاولات الضعيفة مره والجيدة مره أخرى.

أتمنى أن نجد أغلفة كتب عربية جميلة لأننا قادرون فعلا على صنعها فالجمال موجود داخل كل أحد منا علينا فقط أن نتعود أن نظهره. الاهتمام بالغلاف هو إحسان في مانصنعه، وننشره . فلنحسن في أعمالنا ولو كانت صغيرة .. ففي النهاية مايهم هو جودة العمل وليس حجمه : ) .