ما الذي يجعلني سعيدة ؟

Date
يناير, 01, 2018

 

عشت مع نفسي سنين طوال إلى الحد الذي عرفت معه ما يسعدني حقًا وما كنت أعتقد أنه سيسعدني ولكن تبين خلاف ذلك، وما يضيف قيمة جميلة ومبهجة جدًا لأيامي. لعلّها سعادات مؤقتة ( وهذا حال الحياة بالتأكيد ) ولكنها قادرة في كل مرة على إمدادي بوقود وفير لمجابهة الأيام الرتيبة، والخيبات المتتالية و الحياة كما نعرفها. تصفح هذا الكتاب على سبيل المثال يسعدني بكل لفتاته ورسوماته اللطيفة، ويلهمني أحصر سعاداتي البسيطة والتي يمكنها أن تحدث بدون معجزات ،  سأذكر بعضها وشاركوني ما يسعدكم أيضًا:

 

الرائحة الطيبة:

في نفسي وفي منزلي وملابسي، الرائحة الطيبة العميقة تستطيع أن تنقلني إلى مستويات عليا من الشعور الجيّد. رشّة من عطر مفضل تستطيع أن تغيّر مزاجي وتهدئ عصبيتي أو تخفف من تقلبات مزاجي. من أفضل ما اختبره من شعور مستكين يكون بعد حمام دافئ، ملابس نظيفة برائحة زاكية، بيت يملؤه زيت عطري أو بخور العود ثم رائحة طيبة من المسك الأبيض مع دهن العود والفانيلا لنفسي وشعري. تختلف عطوراتي رغم قلّتها لكن لكل واحد منها ارتباط عظيم مع أيامي . أحد العطورات تنقلني مباشرة إلى شهر العسل ورحلته الجميلة. لذلك أسعى دائمًا بالاحتفاء بالأيام الجميلة برائحة زكية حتى أستطيع استعادة تلك اللحظات الذهبية كلما شممت ذات الرائحة. لطالما تسائلت لماذا تستطيع الرائحة اقتحام كل هذه الذكريات وشعورها واستجلابها كأفضل ما يكون؟ عندما قرأت عن الموضوع تبين لي أن ذلك يرجع إلى تركيب الدماغ وتشريحه، فالروائح الواردة تستقبل أولًا من البصيلات الشمية الموجودة في داخل الأنف، هذه البصيلات تمتد إلى الجزء السفلي من الدماغ. هذه البصيلات لديها وصلات مباشرة مع منطقتين في الدماغ مسؤولتين عن العاطفة والذاكرة. هذه المنطقتين : the amygdala and hippocampus . بقية الحواس الأخرى كالبصر واللمس والأصوات لا تمر من خلال هذه المناطق لذلك قد يكون الشم ناجح أكثر من غيره في استعادة الذكريات وإثارة المشاعر إيجابًا أو سلبًا.

 

الشتاء:

أسعد فصول السنة هو فصل الشتاء. أحبه وأحب كل ما يأتي به ( ما عدا الأمراض الصدرية ) ، أحب مأكولاته، ولسعة البرد الخفيفة، أحب ملابسه الأنيقة ، أحب كيف تتحول الرياض من فرن يغلي إلى مكان جميل جدًا ومناسب للتنزه وقضاء الوقت في الخارج . أحب ليله الطويل وأرغب كثيرًا بالتحرر من ارتباطي بالعمل حتى أعيش الشتاء كما يليق به، سهر مع مشروبات دافئة، وجبة صغيرة لذيذة و فلم ملهم يقطع ليله الطويل. صباحات الشتاء أيضًا لا تُقاوم، في الغالب نستطيع الخروج والتنزه و شرب القهوة أو تناول الفطور دون أن يهلكنا التعرق أو “تسلخنا” الشمس. صحتي النفسية في الشتاء أفضل، طاقتي أفضل بكثير مما هي عليه بالصيف. لا أحب مغادرة الرياض بالشتاء والسفر لرحلة طويلة، لأن هذا الوقت هو الوقت الأنسب للرياض حتى تتألق به.

تدوينة عن أطعمة شتوية مفضلة:

أطعمة شتوية مفضّلة.

 

اكتشاف جديد ( وصفة جديدة – موضوع جديد – مسلسل جديد الخ ):

شخص مثلي يقتله الروتين من الداخل ويستطيع الملل أن يفتك منه بسهولة فإن أي اكتشاف جديد يمدّني بسعادة تطول لأيام. اكتشاف وصفة لذيذة جديدة أو مطعم لذيذ يكسر روتين الغذاء المعتاد الذي نتناوله وتشعر أنك أضفت تجربة جديدة تنعش أيامك. اكتشاف مفهوم معرفي جديد وانشغالي بالبحث عنه وفهمه يدهشني كثيرًا و يشعرني أن هنالك المزيد لاكتشافه وتعلمه والبحث عنه، لحظات ال eureka هذه لحظات مليونيّة بامتياز. للأبد تفوز الأشياء الجديدة مهما صغرت بحيّز كبير في رصيد سعادتي. الأشياء الجديدة تعني خبرات جديدة، و آفاق جديدة.

 

التخطيط للسفر:

 

أووووه . هذا مصدر سعادة يشبه العلاج النفسي بالنسبة لي. البحث عن وجهة جديدة او اكتشاف مكان ليس معروف كثيرًا والبحث عن طرق الوصول له والتكلفة وما يحتوي مضاد للضجر و الملل والروتين القاتل، إن تأثير ذلك عليّ يشبه انطلاق صاروخ من الأرض إلى الفضاء. يشغلني بشكل جيّد المكان الذي سنذهب له، ماذا سأرى يا تُرى؟ ما الجواهر المخفيّة في هذه المدينة ؟ ما هي ثقافة البلد وكيف هم أهلها؟ العمارة والتاريخ و و و كل ذلك يشعرني بالبهجة والحماسة اللامنتهية. تعلّمت الكثير واكتسبت الكثير من الخبرات في التخطيط للسفر، في البحث عن الأفضل والمناسب ، في التنقيب عن الخيارات و البحث عن حلول وتقنيات تسهل التخطيط للسفر ولعّي أشاركها لاحقًا لمن يرغب.  هذه تدوينة كتبتها عن أساسياتي في السفر :

 

أساسياتي في السفر.

 

 

 

حقيبة فاخرة، حذاء أنيق :

تسحرني الحقائب المصنوعة بدقة ، المصممّة بطريقة إبداعية تخوّلها أن تكون قطعة فنية. الأزياء الكلاسيكية دائمًا تصيبني في مقتل. أعامل الحقائب والأحذية الفاخرة معاملة التحف الفنية لأن خروجها بهذا الشكل يسبقه مراحل كثيرة تجعل من صناعة الحقيبة قصّة و أيقونة. الإلهام الذي يجعل المصمم يبني قطعته، يرسمها ثم يفكر بأدق تفاصيلها وأصغر خيوطها وأجود موادها هو ذاته ما يجعلني أقتنيها وأحاول الاحتفاظ بها حتى تعيش معي كلوحة يعتز صاحبها بالحصول عليها. تسحرني طريقة صناعة الحقائب في دور الأزياء الفرنسية خصوصًا، ايرمز وشانيل و لوي فيتون. ساعات العمل التي يقضيها العامل لخياطة الحقيقة وتجمعيها تحكي الكثير عن القطعة، وعن الجودة التي ستكون ميزة فريدة. المسافات بين الخيوط والثنيات، التقنيات الي لا نلتفت لها والتي تحدد جودة الحقيبة وعمليتها وملائمتها للمناسبة المصنوعة لها. أطّلع كثيرًا على الجهد المبذول والفن في صناعة الحقائب فحقيبتي المفضلة ( كيلي ) من ايرمز يستغرق صناعة الحامل فقط 4 ساعات أو أكثر، والمدهش أنه قد يستغرق عدة شهور حتى تتمكن من صناعة وخياطة حامل الحقيبة بشكل صحيح يلبي معايير إيرمز. أحد العاملين هناك قال أن صناعة أول حقيبة كيلي استغرقته 40 ساعة عمل. ذات الحب والتقدير للأحذية بالكعب على الرغم من صعوبة المشي بها لكنها ساحرة وملائمة جدًا لأن تكون تحفة جمالية وأظن أن الكثير يتفق معي في ذلك.

تدوينة عن الأزياء الكلاسيكية:

كلاسيكي للأبد.

ندوينة عن تاريخ الحقائب والمحافظ:

تاريخ صناعة الحقائب: متحف الحقائب والمحافظ في امستردام.

خيالات مستحيلة وسخيفة:

لازالت داخلي “نوال” ذات الثمانية أعوام، تسعدها الخيالات السخيفة والمستحيلة والمقالب المضحة والتافهة. أحب مشاركة هذه الخيالات الهامشية مع من يفهمني فقط. أفاجئ هدى أختي أو أمي بسؤال ماذا لو فعلت كذا وكذا وأنتظر ردة فعلها المضحكة بكل حماسة ثم أدخل نوبة ضحك منعشة. أطرح سيناريوات عجيبة ومضحكة لزوجي فهد كـ: ماذا لو أحضرنا “خروف” أو “تيس” يعيش معنا في المنزل وأسمع إجابته المضحكة وتعليقاته عن الرائحة وأدخل نوبة ضحك أخرى. هذه الأمور بطريقة لا أفهمها تسعدني جدًا وتضيف على أيامي ضحك طفولي وغير مبرر ولكنه جميل والأهم أنه يبهجني.

 

الإنجاز بعد التسويف أو الضغط:

لا شيء يمكنه أن يمنحي الراحة وينهي قلقي كإنهاء المهمات العالقة، كل مهمة يجب إنجازها وأجلتها أو ظلت عالقة تنهش مني وتأكل من راحتي واطمئناني. لذلك أفضل أيامي وأسعدها عندما أنهي المهمة وراء الأخرى، عندما أشطب سطر من مذكرة مهام العمل مثلًا. أو حينما أنهي مهمة منزلية أو مواعيد شخصية الخ. الثقل الذي ينزاح بعد كل هذا لا يمكنني التعبير عنه، ولا يمكنني وصف الاسترخاء الذهني الذي أشعر به وكأن هناك أصابع ذهبية قامت بتدليك دماغي دون أن أشعر. هذا الشعور يجعلني أتسائل لماذا كنت بهذا الجنون عندما سوّفت وأجلت؟ لماذا لا أكسر حواجزي النفسية وأقوم بفعلها مباشرة؟ في كل مرة أتكاسل عن أداء مهامي أذكّر نفسي بالعور الذي يلي إنجاز المهمة فلطالما كان الإنجاز أفضل محارب و مضاد للإحباط.

 

إلغاء ارتباط (اجتماعي – شخصي ) والبقاء في المنزل:

 

سيبدو ذلك غريبًا للأشخاص الاجتماعيين، لكن بالنسبة للانطوائيين مثلي سيفهمونني تمامًا وخصوصا عندما يكون الارتباط غير محبب. أحب تلك الأيام عندما يكون علي أداء زيارة ما أو حضور موعد شخصي أو الاجتماع بأشخاص لأي سبب ولكن حصلت ظروف أدت إلى إلغاء المناسبة، مما يجعلني حرفيًا “أكسب” هذا الوقت مجددًا لقضاءه كما أريد. قد أقضيه بالتسطّح على كنبة الصالة ومشاهدة فيلم وثائقي، أو صنع ساندوتش لذيذ مع الشاي وتصفح الانترنت. هكذا بكل بساطة قضاء الوقت مع نفسي وفي منزلي يسعدني ويعني لي الكثير.

 

بيت نظيف، مرتب ومعطر:

أدخل في حالة غرامية حينما يكون منزلي مرتب، نظيف ومعطّر. أشعر باستقرار أكثر وراحة أكثر. بالنسبة لشخص “بيتوتي” فهذه السعادة ليست مستغربة بل ضرورية ومطلوبة. من أكثر ما يبهجني أن أعود للمنزل بعد ساعات عملي لأجده مرتبًا ونظيفًا، كل شيء في مكانه مما يشجعني على فعل ما أحبه داخل منزلي. الترتيب في البيئة المحيطة بي تفجر كل طاقاتي الابداعية، أكره الفوضى وأكره رؤية الحاجيات بدون مكان يحتويها، أكره مشاهدتها ملقاة على الأرض مما يفقدني الكثير من الشغف و الشعور بالاستقرار، أشعر بأن روحي معلقة ولا يمكنني فعل شيء وسط كل هذه الفوضى. لا تنفد لدي الشمعات ولا الزيوت العطرية، ولا المعمول والعود. أشعر باستكنان نفسي عندما تكون رائحة المنزل معطّرة. وهذا بالطبع ينطبق على مكتبي في العمل، المهم أن تكون البيئة المحيطة بي منظمة.

 

حمدًا لله أن هناك أشياء بسيطة تسعدنا، حمدًا لله أن هناك أمور نقدر على فعلها باستمرار قادرة على إسعادنا وإدخال عنصر البهجة في حياة رتيبة.

 

 

نوال القصيّر

14 Comments

  1. رد

    Rasha

    يناير 1, 2018

    نقلتي لنا السعاده ونحن نقرأ مايسعدك
    سعاده دائمه لقلبك يارب❤
    اعجبتني قائمتك تشبهيني في بعضها

  2. رد

    ندى

    يناير 1, 2018

    مساء الخير عزيزتي نوال
    شعرت بالدفء بين أحرفك
    أفهمكِ كثيراً، السعادة بالتفاصيل والإهتمام .

  3. رد

    نوار طه

    يناير 1, 2018

    تدوينة دافئة جداً 🙂
    أحببت فقرة ‘الخيالات المستحيلة’ لم أسمعها من أحد من قبل!
    بالنسبة لي أشارك ما يسعدني في مدونتي في ألبوم عنوانه ‘تفاصيل صغيرة تسعدني’، يشابه فكرة الكتاب الذي ذكرت
    أسعد الله روحك وأبهجها دائمًا ودوامًا 🌸

  4. رد

    تونا

    يناير 2, 2018

    القراءة لكل ما تكتبينه يجعلني سعيدة 💜

  5. رد

    عهود

    يناير 3, 2018

    تدوينه رائعه وانا وكذالك مع اولادي وزوجي نستمتع بفقره التخيلات وتنتهي بالضحك
    اسعدنتي ايضا تدوينتك الرائعه

  6. رد

    ذهلاء

    يناير 4, 2018

    مدهش كيف يمكن لحيوات الناس أن تتشابه. كل السعادات الصغيرة لنوال هي ذات سعاداتي. تدوينة أشعرتني بالدفء.

  7. رد

    mimi

    يناير 8, 2018

    كوب من شاهي مع القليل من الهدوء والروقان في اخر الليل وقراءة تدوينة لطيفة كهذه هذا جوي الان 🙂

  8. رد

    mimi

    يناير 8, 2018

    جميلة

  9. رد

    بشرى

    يناير 14, 2018

    بالضبط تلك التفاصيل تعنيني
    شكراً نوال على هذا الجمال =)

  10. رد

    Soumaya

    فبراير 18, 2018

    إبتسامة أبي انا فقط سيمر يومي بشكل جيد إن رأيتها

  11. رد

    الباشمهندسه

    يوليو 25, 2018

    اعتقد ان ابتسامة امي في وجهي هي اكثر شئ ممكن يجعلني سعيدة .. شكرا لكي

  12. رد

    Yasmeena

    أكتوبر 8, 2018

    حبيت عالمك،،، أنوي اصبح مدونة بكل حب ويسر وتمكين

  13. رد

    بسام

    أكتوبر 25, 2018

    سطورك تجلب السعادة
    ابدعتي يا نوال
    شكرا

Leave a comment

Related Posts

لمحة

بكل عاديتي وبساطتي وتعقيدي أكتب وأدوّن حتى أنمو أولاً ومن أجل الأثر ثانياً. مدوّنة نوال القصير عمرها طويل فقد ولدت في عام ٢٠٠٦ تعثرت كثيراً وهُجرت أيضاً ولكنها شهدت أعوام من الالتزام بالكتابة. تطوّرت وتراجعت ثم عادت للحياة مرات كثيرة كنبتة جفّت ثم انعشها المطر. أكتب عن الكتب والقراءة، عن كل المفاهيم والقيم التي أعيشها أو أرغب العيش بها ومعها. مدونة للأيام الجيدة والسيئة.

موصى بقراءته