قواعد القراءة العشرون (1)

Date
نوفمبر, 25, 2016

 

Processed with VSCO with p5 preset

بعد أن أصبحت أقرأ بشكل جدّي، وبعد ما أمضيت سنوات كثيرة أقرأ، تكوّن عندي بعض القناعات أو التلميحات من خلاصة تجربتي الخاصة في القراءة، أحببت أن أطلق عليها اسم برّاق أكثر يشبه قواعد العشق الأربعون للتبريزي : قواعد القراءة العشرون. كوسيلة لصياغة عنوان جذّاب لا أكثر، وإلا فهي ليست قواعد لأنها قابلة للتغير والتعديل أو التراجع حسب التغيرات المستقبلية التي ستطرأ علي ولا أعرفها بعد. كنت ألخص هذه النقاط وأكتبها في مذكرة منذ سنوات مضت، كعمل تراكمي أسجل فيه القاعدة حالما استنتجتها من تجربة، أو توصلت لها بعد موقف أو مواقف. قد يختلف ما كتبته عن ما تؤمن به تجاه القراءة وهذا أمر صحّي لذلك دوّن  خلاصة تجربتك القرائية الخاصة فالمجال يتسّع للجميع. في كل نقطة أمور نسبية تعود للشخص، فالكتاب الجيّد في نظري قد لا يكون هو الجيّد في نظرك. الثري في نظري قد يكون سخيف في نظرك، المهم أن تفهم هذه النقاط حسب ما يناسبك في هذه المرحلة. وكلي أمل أن تقدم لك هذه النقاط العشرون المجزأة في تدوينتين ما يساعدك ويعينك على شقّ تجربتك القرائية الفريدة :). القراءة  في الكتب حياة وعالم جميل، تكشف لك مكنونات نفسك قبل أن تكشف مكنونات الأمور والأحداث، ولأن شأنها عظيم و أثرها أعظم لخصت لكم عشرين قاعدة استخلصتها خلال سنوات كثيرة مضت. (وأخص بالحديث قراءة الكتب وليست قراءة الكون والتأمل الخ)

العشرة الأولى:

1- يجب علينا أن نعرف ماذا نقرأ وإلى أين نتجه؟ القراءة كأمر إلهي أبعد ماتكون عن العشوائية. لا تملأ دماغك “فقط” بالكتب هزيلة المحتوى التي لا تضيف فكر ولا منهج، فالقراءة كفعل أبعد من ذلك بكثير. تنوّع القراءة مابين جاد و مثري إلى مسلّي ولغوي أمر هام. أن تكون ضِعاف الكتب هي فقط ماتقرأ، فذلك خسران مبين. فكما يقول الغذامي في كتابه ثقافة الوهم: الجهالة ليست متعة ومن يتمتع بثقافة الجهل ويستظرفها فهو بلا شك يغش ذوقه وعقله ويفسد ثقافته.

2- القراءة الحقيقة هي أن تمسك كتابًا اقتنيته أو استعرته وبدأت تتفاعل معه وتناقشه وتتطور مع كل فصل. سواء لغويًا أو فكريًا أو روحيًّا أو معرفيًا. قراءة الاقتباسات لوحدها لاتجدي، قراءة أنصاف المقالات لوحدها لاتجدي ولا تكوّن منهجًا فكريًا رصينًا. القراءة هي فعل بحت ليست رقم يُحصى فقط. تخلّص من وهم أنك “تقرأ” لأن لديك حصيلة اقتباسات ضخمة أو مقالات مقتضبة وما إلى ذلك .

3- الكتب التي تهزّنا وتربكنا وتغيّرنا للأفضل، وتجعلنا نفكر مرة أخرى فيما لم نشك فيه من قبل أجمل من الكتب التي نستمر في هز رؤوسنا موافقة لأنها تتماشى مع أفكارنا. لا تخف من قراءة من يخالفك في فكرك، لا تتردد ولا تتورع في قراءة الآخر ، في قراءة أفكار لا تمثلك ، فالقراءة تجعلك تعرف ماذا يعني أن يكون العالم من وجهات نظر مختلفة، ماذا يعني أن تكون في مكان الآخرين .خوفنا من ذلك يدل على هشاشة ما نؤمن به في المقام الأول، وعلى انعزالنا بإرادتنا عن الآخر المختلف. وبالتالي لن نفهم الواقع والتاريخ إن لم نلمّ به من كل الجوانب.

4- شهرة كتاب ما وتصدره لأعلى المبيعات ليست دلالة أبدًا على جودته.. ربما تكون دلالة على انحدار الذائقة العامة. فعندما توجه كتاب عادي لمجتمع لا يقرأ سيكون الكتاب غير عاديّ.

5- الكتاب السيء أحيانًا قد يكون له فائدة بأن يجعلك تعود للكتاب الجيد الثري ، يجعلك تعرف قيمته وتتذوق حلاوته. فكم من كتاب سيء جعلني بسوءه أعود لتفاسير القرآن وأتأمل الآيات حتى أعرف أفند حججه الواهية. كثير من الكتب السيئة أعطتني ثقة في النقد ودربّتني على التحليل ورفض التلقين.

Processed with VSCO with a5 preset

6- الكتاب الذي يؤثر فيك ليس بالشرط أن يؤثر في الآخرين، فلكل منطلقاته وتجاربه ومناطق جهل ومعرفة مختلفة. الكثير من الكتب التي سحرت العالم لم تحرّك فيني ساكنًا، ليس بسبب الكتاب لكن لأني مختلفة وخلفيتي الثقافية والأدبية مختلفة. والكثير من الكتب التي حوّلتني تمامًا وغيرتني لم تكن بذلك التأثير للآخرين.. مستوياتنا تختلف، و الأشياء التي نجهلها ونعرفها تتفاوت. لذلك القراءة تجربتك الخاصة.

7- لا تفخر بكم قرأت من الكتب.. افتخر بكيف غيرتك هذي الكتب .. فالقراءة حافز للتغيير، والتغير حافز للقراءة. إن كنت تقرأ وتلتهم الكتب بشراسة ولم يتغير فيك شيء/ لم يتسع دماغك، لم تتقبل الاختلاف، لم يذبل تعصبك قليلًا، لم تتروّى في أحكامك ولم تتعمق في رؤيتك أكثر من قبل فلا طائل من ذلك. أؤمن أنه من الضروري جدًّا أن يكون هناك وقت بين الكتاب والآخر، وقت لهضم الأفكار واختبارها في حياتك. لطالما كان يسحرني المنهج التجريبي الذي اتبعه الصحابة مع القرآن فكانوا لايحفظون الآية حين تنزل حتى يتعلموها، يفهمومها ثم يعملوا بها. الأمر شبيه بالقراءة.. كثرة الكتب وتتابعها في ذات الوقت قد يكون أمر سيء ومشتت أحيانًا. وعديم الفائدة في أحيان أخرى.

8- لا تخشى من طرح رأيك بالكتاب ومناقشته، لا يأخذك سمعته أو اسم الكاتب من قول رأيك الصريح فيه. فكثير من كتبهم حصدت آراء جيّدة بسبب استعداد القارئ المسبق للكاتب نفسه. من حقك أن تناقش وتعارض كما من حقك أن توافق. وفي المقابل لا تنصب نفسك مدافعًا ومهاجمًا لكتاب أعجبك ولم يعجب غيرك. الأمور نسبية تمامًا وقدحهم في الكتاب ليس قدح في ذوقك إطلاقًا.

9- قراءة كتابين أو عشرة لن يجعل منك خبير أو مثقف أو فيلسوف. فلا تتصرف كأبو العريف لأنك فقط تقرأ. على العكس من ذلك فكلّما قرأت كلّما اتضح لك أكثر أنك جاهل، ولازال هناك المزيد من الأمور التي لاتعرفها ولازال هناك مئات من المناطق المظلمة في دماغك. ستدرك أنك لاتعرف شيئًا وأنه لايزال هناك شيئ لم تعرفه بعد، و فكرة لم تصلها بعد.

10- مشاركة المعرفة والكتب الجيّدة هي زكاة هذا العلم، فلا تبخل. شارك كتبك لمن يستحقها ولا يمزّقها، تحدث عنها في صفحاتك في التواصل الاجتماعي. أوصِ بكتب قيّمة في اجتماعاتك مع الأصدقاء. عرّف الآخرين بعالم الكتب الساحر، العالم الكبير الذي لن ينتهي. ألهمهم أن يلتقطو كتابًا ليقرؤوه بعد أن مضى وقت طويل لم يقلبوا فيها صفحة واحدة.

 

إلى اللقاء في العشرة التالية في تدوينة قادمة. 🙂

نوال القصيّر

8 Comments

  1. رد

    Roro

    نوفمبر 25, 2016

    “لا تفخر بكم قرأت من الكتب.. افتخر بكيف غيرتك هذي الكتب .. فالقراءة حافز للتغيير، والتغير حافز للقراءة.”
    من الجدير أن يضع هذه القاعدة نصب عينيه كل قارئ يود فعلا أن يستفيد مما يقرأ .

    القاعدة الثامنة قاعدة مهمة :
    أنت نوال كأنموذج في القودريدز ، غالبا تغنيني مراجعاتك في اختيار الكتب .
    وفعلا ما قد يعجبنا قد لا يكون بالضرورة يعجب الآخرين ..
    في القودريدز أميل لقراءة الآراء المخالفة لرأيي بعد الانتهاء من الكتاب ، لأرى جوانب الضعف التي لم ألحظها أو أحيانا أحاول أن أرى بطريقة مغايرة عن طريقتي حتى أفهم وجهات النظر الأخرى ..
    مناقشة الكتب مع الآخرين تعطي اثراء عميق للشخص.
    *متحمسة للجزء الثاني ؛)
    على جانب التدوينة:
    مبروك المطر 💗

  2. رد

    InsideTheConcrete

    نوفمبر 26, 2016

    ” لا تملأ دماغك “فقط” بالكتب هزيلة المحتوى التي لا تضيف فكر ولا منهج”
    أقترح أن تكتب بالشمع الأحمر في كل مكتبات العالم ..أشعر بالحزن على الاشجار المسكينة التي ذهبت ضحية لمثل هذة الكتب ..
    قاعدة (كل شيء وأي شيء وأي وقت) أستخدمها في أغلب أموري ولكن البعض يسيء فهم “أي شيء” المقصد بها أن تخرج من comfort zone لا أن تقرأ أتفهه الكتب !
    في إنتظار العشرة الأخيرة …

  3. رد

    سارة

    نوفمبر 26, 2016

    تدوينة ثرية وقواعد ملهمة 💗

    لدي سؤال، هل ترين ضرورة تلخيص أو كتابة مراجعة عن كل كتاب تقرأينه لتستفيدي منه بشكل أكبر؟ أو ربما إني استبقت الأحداث وسأجد الإجابة في العشر القادمة؟ 🙂

  4. رد

    sarah

    نوفمبر 26, 2016

    يعطيك العافية نوال، عندي مشكلة اذا قريت الكتاب انسى اللي قريته، وماحب اخذ نوتس احس كاني ادرس كتاب ومغصوبه.. كيف طريقتك؟

  5. رد

    دينا

    نوفمبر 26, 2016

    تدوينة ثرية ورائعة نوال كعادتك!
    وبالنسبة للنقطة 10، ننتظر مشاركتك لنا بأجمل الكتب اللي قرأتيها 🙂

  6. رد

    Nawal

    ديسمبر 2, 2016

    @دينا:
    شكرا لوجودك دينا اسعدني.
    لماذا الانتظار؟ مراجعاتي على القود ريدز لافضل الكتب التي قرأتها واسوأها ايضًا موجودة منذ سنوات طويلة. + في تصنيف (كتب وقراءة) في المدونة تجدين حديث عن كتب واراء اضيفها باستمرار.

  7. رد

    maha

    ديسمبر 4, 2016

    شهرة كتاب ما وتصدره لأعلى المبيعات ليست دلالة أبدًا على جودته.. ربما تكون دلالة على انحدار الذائقة العامة.

    فعلاً , قودريدز ساعدني بتقصي الانباء عن الكتاب قبل شراءه بشكل أفضل 🙂

Leave a comment

Related Posts

لمحة

بكل عاديتي وبساطتي وتعقيدي أكتب وأدوّن حتى أنمو أولاً ومن أجل الأثر ثانياً. مدوّنة نوال القصير عمرها طويل فقد ولدت في عام ٢٠٠٦ تعثرت كثيراً وهُجرت أيضاً ولكنها شهدت أعوام من الالتزام بالكتابة. تطوّرت وتراجعت ثم عادت للحياة مرات كثيرة كنبتة جفّت ثم انعشها المطر. أكتب عن الكتب والقراءة، عن كل المفاهيم والقيم التي أعيشها أو أرغب العيش بها ومعها. مدونة للأيام الجيدة والسيئة.

موصى بقراءته