إلى أبنائي الذين لم يأتوا بعد ..

Date
أبريل, 13, 2016

خامس تدوينة في تحدي التدوين لشهر أبريل 2016: دوّن نصائح لأبنائك يقرؤونها في المستقبل.

DSC_0398

أبنائي وبناتي .. أنا لا أدري ماهو شكل العالم حين تقرؤون هذه الكلمات، لكني أعي تمامًا العالم الذي أعيشه الآن واخاف عليكم حد الجنون و أحاول أن أمنع نفسي -باستمرار- من ذلك لكني لا أستطيع .. الآن فقط أفهم أمي وخوفها حين نتأخر بكل لامبالاة.. الآن بعد أن كبرت عرفت أن مخاوف أمي منطقية أكثر من طيشنا.

أحبائي، حاولت أن أكون صديقة أكثر من أم، وأعلم أني فشلت في مرات كثيرة فالأمومة فطرة وشعور لا يمكن لأي شيء أن يهزمه أو ينحيه جانبا ولو لحظات، لكني حاولت من أجلكم فقط .. أتأسف لو كنت في مرات كثيرة “شديدة” ولا أنصاع لطلباتكم كما تتمنون، لكني أفعل ذلك من أجلكم، من أجل أن أُعدّكم جيدًا لمواجهة هذا العالم الذي سيختلف كثيرًا بدون أم و أب. أُعدكم للحياة ومعتركها لأن هذا واجبي ومسؤوليتي أمام الله، فالله سيسألني عنكم وعن كل ماغرسته فيكم. كنت أخطط لإبعادكم عن الدلال وتعريضكم للتجارب أكثر، حتى تصقلكم، لذلك ستسامحوني كثيرا لأن ليس لديكم جميع الأجهزة الكترونية الخاصة بكم، والبضائع التي لاحاجة لكم بها، ستتجاهلون أن الكثير من أقرانكم لديهم أشياء فائضة عن حاجتهم وستتفهمون سبب المنع في الوقت الذي ستدركون فيه أنكم قادرين على التأقلم مع أي ظرف مادي أو اجتماعي مختلف، ستشكرونني أنا وأباكم في اللحظة التي ستجدونكم انتصرتم على تدبير ميزانيتكم المستقلة، وحين تخوضون تجارب أكثر وتتشكل أفكاركم بمعزل عن الاستهلاك الأعمى الذي دمرنا. وعدت نفسي أني سأبذل قصارى جهدي حتى تكونوا في معزل عن الدلال والترف والرفاهية، وعدت نفسي أنكم لن تكونوا من جماعة “كل ما نريده سنحصل عليه” فالحياة ليست بالسهولة التي تتخيلون.

الحياة تجربتكم الخاصة، واختياراتكم البحتة.. كوّنوها واختاروها كما تشاؤون وحتى تستطيعون تكوين تجربتكم الخاصة سأبتعد عن إفسادكم بالدلال والاستهلاك قدر المستطاع.

يا بُني إن تخلى عنك العالم، فلا تبتئس.. يكفي أن تشعر أن الله معك ❤ يا بُني لاتترك الله، فالله لم يتركنا يوما نحن من ابتعدنا. يابني أنا أخاف عليك إلا أن تكون بجانب الله وتفهم كلامه. ليس حُلمي فيك أن تحفظ القرآن فلا يعنيني أن تردد كلاما كما كنا نردده بدون عمل أو فهم، فهذا على كل حال لم يغير من واقعنا ولا من أعمالنا شيء.. أريدك أن تفهمه وتعيش به. يابني اقرأه في حلك وترحالك، عِش من خلاله، واقرأه وكأنه يخاطبك لأنه فعلا يخاطبك اقرأه وكأنه أُنزل لك. أتمنى أن تكون استثانئيا في التعامل مع القرآن، تحبه ولاتستطيع التخلي عنه في أي ظرف.. افهمه يا بني ولا تبخل على من حولك بكل ماتفهمه من القرآن. يا بني لم نولد بكتيب إرشادات، ولا مرفقات لإصلاح العطب والجروح والهموم لكن لدينا كتاب كفيل بكل ذلك وأكثر: القرآن. عليك به.

يا بُني، ستكون هناك الكثير من المنغصات والأمور الجيدة الغير كاملة والأكثر من النقائص، ستكون هناك هموم وصدمات، على رسلك فلسنا في الجنة بعد. بُني أرجو أن لاتجزع من أي مصيبة، أرجوك أن تحصن نفسك في أوقات الرخاء بالإيمان حتى لايهزك أي موقف. بُني الحياة كبد وعناء مستمر ومن السخرية أن هذا جزء من جمالها! بُني إن المواقف الصعبة لم توجد إلا في نطاق وسعنا وطاقتنا، لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها، إنها تجربة تمر بها حتى تخرج شخصا آخر أفضل وأكبر. بُني الحياة رغم كبدها وعناءها إلا أنها جميلة ونقصانها جمال حتى يكتمل في الجنة . بُني الدنيا مليئة بأناس طيبيون لم يتعمدو يوما إيذاؤنا، أناس الحديث معهم قطعة من الجنة . بُني إني أعيذك من أن ترى الحياة سواد خالص أو بياض خالص, إنها مزيج بين ذلك وذاك، مزيج من الألوان و المواقف السيئة والجيدة. بُني إني أعيذك من التذمر الزائد والشكوى الدائمة فستحيلك إلى مخلوق لايُطاق. بُني إنهض من يأسك وسلبيتك و لا تعير أي مثبط اهتماما أكثر من اللازم، حارب الإحباط بالإنتاج، ساعد الآخرين لوجه الله فالله في عونك مادمت في عون الآخرين.

‏يابني قد تعيش في زمن الموازين فيه تُقلب. يحصد الإعجاب فيه من لا يستحقه، يبرز فيه التفهاء والسطحيين يُحتفى بمن لا يقدم شيئاً . إياك أن تنقلب معه، كن “ثقيلا” فلا تُقلب. يابني، ستنجرف وراء السائد والشائع لامحالة، سيبتلعك المجتمع يوماً. لذا فكّر بالعزلة ومارسها حتى تعود إلى ذاتك. سافر و تجول حول العالم الجميل ابحث عن مكان لم يزره أحد من قبل عن سهول و وديان وشلالات، ابحث عن جمال خلق الله في كل شيء، تعرّف على ثقافات الآخرين وكيف يعيشون فقراً وسعة، سيعينك ذلك على الرضا وترتيب أولوياتك. يا بُني أخاف عليك ألا تقرأ، أخشى عليك من الغربة التي يخلفها هجر القراءة، ستكون أوسع بالا وأفقا، ستكون أنت أكبر وأثقل قيمة بالكتاب. فلتكن القراءة جزء ضروري من أيامك، ستجدنا بذلنا الكثير في مكتبة المنزل، عليك بها بدون رحمة ولا هواده. بُني إني أعيذك أن تقرأ لوحدك، بُني شجع الآخرين على القراءة كُن ذلك الذي يلهم الآخرين أن يمسكوا كتاب لقراءته. يا بني ، حرّض مجتمعك على القراءة قدر ما استطعت.

يا بني، سيتدخل الناس بدون إذن في حياتك وشوؤنك وقرارتك.. سيبدون رأيهم ولو لم تطلبه. سيخبرونك أن تجربتهم فقط وفقط هي الصالحة ورأيهم فقط هو الصحيح، سيرهقك المجتمع بالخطط المرسومة مسبقًا والنصائح والحكم، سيأثر ذلك عليك طبيعيا في بداية حياتك وتكوينك، تذكر أن معظمهم فعلا ينوون من ذلك خدمتك ومصلحتك فعليك بالتدرب على إيماءة الرأس وتقبّل الكلام واعلم أنه ليس عليك اتباع مايقولون، ارسم حدودهم معك او استمر بإيماءة الرأس، ومن ثم افعل ما يميليه عليك قلبك وعقلك. وتذكر أن الخطأ جزء من تجربتنا البشرية المحضة، تذكر أن الخطأ في الإسلام ليس مكان مظلم أو موحش لارجعة منه، الخطأ في دينك يابُني باب كبير للاستثمار الناجح وستلحظ ذلك في كثير من آيات القرآن. بُني, تجاهل الإساءة الموجهة لك .. ترفّع فلست أنت من يلائمه النزول لمستويات لاتليق به، اترك الجدل واحفظ نفسك منه فلاطائل منه. ليس على الجميع أن يقتنع بما تقول وليس عليك أن تستميت لإقناع أحدهم. ازرع أفكارك الجيدة وامضِ يابني، سيشاء لها الله أن تنبت في أرض خصبة في وقتها. لن يستطيع أحد أن يجعلك تؤمن بفكرته مرغماً، لذلك اطمئن.

أبنائي وبناتي، أطلت على القارئ وأطلت عليكم، وأعلم أني أثقلتكم بكم من النصائح والتوجيهات قبل ذلك وأعلم أنها لن تكون الرسالة الطويلة الأخيرة.

 

 

نوال القصيّر

4 Comments

  1. رد

    ورده

    أبريل 13, 2016

    تدوينة جميلى جداً تلامس الواقع واحساس كل أم وأب ينظرون للمستقبل من خلال أبنائهم ويضعون كل استثماراتهم فيهم.
    أسأل الله أن يرزقك الذرية الصالحة الباره ويهدي أبنائنا وأبنا ءالمسلمين.

  2. رد

    Dr.Noon

    أبريل 13, 2016

    سأضعها في ظرفٍ مُحكَم ، و سأكتب عليه : لابنتي – التي لم تأتِ بعد ـ في يوم ميلادها الثامن عشر فقط !

    ابنتي الحبيبة ، أنا أمّكِ !
    أكتبُ لكِ و أنا لا أزال في ربيعي الثامن و العشرين فتاةً لم ألتقِ والدكِ – الذي لا أعرفه بعد – و لم ألتقكِ
    لكنّي أعلم جيّداً أنني أتمنّاكِ ، و أحلم بكِ ، حتى قبل أن تكوني .
    أرجو أن تذكري ذلك يا ابنتي لو نظرتِ لي يوماً عجوزاً شمطاء طريحة الفراش لا تفتأ تلقي المواعظ المملّة عليكِ . تذكّري يا ابنتي حينها أنني أحببتكِ قبل أن تكوني ، و سأحبكِ أكثر حين ألتقيكِ و أعرفكِ .
    أعذريني لم أعرّفكِ بي بما يكفي ، أعلم أنه لا يكفي أن أقول : أنا أمّكِ !
    أنا يا حلوتي اليوم طبيبةٌ بارعة ، في سنتي الأخيرة من التخصّص . أعيش في بيتٍ جميل بين أسرةٍ طيّبةٍ دافئة ، لي والدان رائعان ، أتمنّى أن تعرفيهما يا ابنتي ، كم أتمنى ذلك . أبي صديقٌ و أخٌ و مُرَبٍّ فاضل ، علّمني مثالية الخلق ، و حبّ الله ، و عشق القراءة ، جعل منّي شاعرةً أديبة ، ورثتُ عنه ذكاءه ، و اجتهاده ، و حماسه .
    أتمنى أن ترثي هذه الجينات أنتِ أيضاً

    ابنتي، أريدكِ أن تكوني أنثىً فائقة الجمال و الجاذبية ، فاتنة السحر ، أريد لكِ هالةً من وقارٍ و علمٍ و ذكاءٍ و طيبةِ روحٍ و دينٍ و جماااال . أريد أن يتساءل العالم كلّه أمام لغزكِ ( أدلالٌ و جمالُ و حياء ، كيف تحوي امرأةٌ كلّ النساء ؟ ) . كم أتمنى أن تلتقي فارسَ أحلامٍ يرتقي إلى مستوى أحلامِكِ و ألقكِ ، أتمنى أن تحبّيه ، و أن تعيشا معاً فوق الغمام ، طيورَ سعادة ، في كنف رضاً من الله و بركة . أريد أن أحيا حتى أراكما هناك ، حتى أشهد سعادتكِ ، و أعلم أنكِ أصبحتِ على أول الدرب الصحيح للحياة . أمّي تمنّت ذلك طويلاً ، أن ترى ابنتها الوحيدة بالفستان الأبيض ، الفستان الذي لم تحصل هي عليه في يتمها و زواجها المباغت ، كم أتمنّى أن ترى أمنيتها ، لا لشيء ، لأجلها فقط . كم أتمنى أن تعرفي هذه الأمّ يا حلوتي ، هي معجزة ! كتلةٌ من الحنان الخام ، يقول أبي أنها لو وزعت حنانها على الكرة الأرضية لما اتسعت له . يعتصر قلبي الألم و نُذورُ المرض تحاصرها ، و أنا أتعلّق بها يوماً بعد يوم ، إيّاكِ يا عزيزتي أن تحبّيني أكثر من اللازم !، إيّاكِ أن تجعلي منّي أو أيّ شخصٍ بالدنيا محور حياتكِ ، أخشى عليكِ مقاساة الفقد يا صغيرتي ، لن يحتملها قلبكِ الغضّ و هي تنهشه ، اجعلي حياتكِ قائمةً على مئات القوائم ، حين يسقط أحدها تبقى قائمةً مستمرّةً على غيره .

    يجب أن تعملي ، و أن تتفوقي و تبرعي و تدعي لكِ بصمةً في هذا العالم ، اجعلي العمل جزءاً كبيراً من حياتكِ ، لكن ليس كلّ حياتكِ ، تذكّري أنّ على كلٍّ منّا أن يُحدث تغييراً إيجابياً بهذا العالم قبل أن يتركه .
    التغيير ليس بالضرورة مقتصرٌ على مجال عملكِ و حسب ، أسرة المرأة يا عزيزتي يجب أن تبقى دائماً على رأس الأولويات ، حين تضعين عملكِ في كفة و أسرتكِ في كفة و لا تستطيعين رغم كلّ جهد أن تبقيهما متكافئتين فرجّحي كفة زوجكِ و أبنائكِ و بيتكِ يا ابنتي ، لا تنجبي صغاراً و حسب ، فليكن أبناؤكِ رجالاً يصنعون الغد المشرق لهذه الأمّة . لو أمدّ الله لي في العمرِ لأراكِ و إخوةً لكِ ، فسأحرص كلّ الحرص ألا تكونوا مجرّد زيادةٍ عديمة النفع على تعداد سكّان هذا الكوكب ، حلمي يا صغيرتي أن تكونوا صنّاع غد هذه الأمّة ، أن تصلّوا أنتم في ساحة الأقصى ، أن يعود بكم أنتم دين الله ممتدّاً على أرض البسيطة من (تخوم الصين حتى بلاد الأندلس القديمة ) و أكبر . و حين لا أتمّ أنا ذلك ، لا تفقدي أمل أن يكون بذريّتكِ أنتِ يا حلوتي .

    بالمناسبة ، أنا اخترتُ لكِ عشراتِ الأسماء ، لا أدري سأستقرّ على أيٍّ منها حين وصولكِ ، ما رأيكِ في ( ماسة) ؟ ، لا أعرف فتاةً بهذا الاسم ، رغم أنّي سمعتُ بالـ(جمانة) ، و الـ(لولوة) ، و الـ(ذهبة) ، و الـ(فضة) ، و لم يطرأ على أحدهم يوماً أثمن الأحجار الكريمة اسماً لصغيرته ! ، ما رأيكِ أن تكوني أنتِ الأولى ؟ ، سألبسكِ عقود الماس و أغنّيكِ ( ماسة لابسةٍ ماسة ، و احلى من العقد لبّاسه ) ، سيسعد حبيبكِ بفوزه بـ(ماسةٍ) بين البنات ، و (الله!) لو كان شاعراً ، بالمناسبة ، أنا لا أتمنى أن تكوني لشاعر ، لا أعرف.. لكن أحسّ أنّكِ ستظلّين في غيرةٍ دائمة و تنافسٍ لاهث مع بناتِ أفكاره اللواتي لا وجود لهنّ إلا في شعره ، و الشاعر لا تكفي قريحته امرأةٌ واحدة ، لكن حين يلعب النصيب دوره ، و تكونين لشاعر ، لا تقلقي يا صغيرتي ، فالشعراء طيّبون ، كثيرون منهم دمثوا الأخلاق ، و كلّ مغامراتهم و قصائد غزلهم زادها الخيال ، الخيال . أقول هذا و أنا ابنة شاعر
    و لا تقلقي أيضاً لأنّكِ أنتِ ستكونين أنثىً ثريّةَ المكنون ، ألف امرأةٍ في جسدٍ و روحٍ واحد ، متجدّدةً على الدوام ، لا تكشفين جميع أوراقكِ دفعةً واحدة ، و لا تسكبين كلّ أقداحكِ في سقياً واحدة ، و لا تبخلين ، تُبقين رجلَكِ في لهفةٍ دائمة ، في تساؤلٍ دائم مالجديد الذي تخبّئينه له كلّ يوم ، ستملئين أفقه ، لن يجد كثيراً من متّسعٍ للالتفات لسواكِ ، ستكونين أنتِ كلّ بنات قصيده ، هكذا يا حلوتي أتمناكِ ، هكذا يجب أن تكون الأنثى ، و هكذا ستكونين .
    اسمعيني يا ابنتي ، لا تخجلي يوماً من هويتكِ الأنثى ، و لا تغضبي يوماً من أنكِ وًلِدتِ أنثى ، و لا تحزني لأنكِ أنثى . هذه ميزةٌ يا صغيرتي ، منّةٌ من الله ، يجب أن تحمديه عليها ، و تفخري بها و تعتزّي أيما اعتزاز ، أنتِ يا عزيزتي معجزةٌ من الجمال و الرقّةِ و السحر و الحب و إرهاف الحس و الحنان ، أتعلمين ( أن باريس بين المدائن أنثى ، و بيروت رغم الجراحات أنثى ، و أن الرسالة بين الحبيبين أنثى ) ، أنتِ يا ابنتي و يا أمّ الغد كلّ هذا و أعظم .

    في كتاب المطالعة للسنة الرابعة الابتدائية كانت هناك بعض النصوص الغير مقرّرة علينا ، كنتُ أتطفل لقراءتها ، أحببتُ منها بعض ترانيم المهد ، غنيتُها لكِ كثيراً ، و أتمنى أن تأتي لأغنيها لكِ و أنتِ بين ذراعَي ( حسبي من الدهرِ بنتي ، أماً لجيلٍ سيأتي ، أنتِ السعادة أنتِ ، نامي بربكِ نامي ) ، ألحن الأبيات بطريقتي ، هذه أظنّها على مجزوء الخفيف .
    أتمنى أن تكوني الآن تفهمين كلماتي ، أتمنى أن تكبري مثلي عاشقةً لجمال هذه اللغة التي أنعم الله علينا بها ، أحبببببببها يا صغيرتي ، أحببببها حدّ العشق . أفخر ببراعتي فيها ، عروضاً و بلاغةً و نحواً معتمدةً على القليل الذي تعلّمته من دراستي الثانوية بالقسم العلميّ ثمّ أتممت الطريق و توغّلت فيه وحدي بجهدٍ شخصيٍّ بحت . إلى جانب إجادتي للإنجليزية الآن ، في المرحلة الجامعية أثنى عليّ طبيبٌ بريطانيّ الهوى من أعداء العم سام : ( ياللغة الشكسبيريّة ! رغم اللكنة الأمريكية ) ، اعتبرتُ الأمرين ثناءً . و أعمل الآن على تعلّم الفرنسية.

    ابنتي ، كم أتمنى أن يمدّني الله بالعمر حتى أحيا معكِ صباكِ ، و أشهد عرسكِ و أعيش معكِ تجربة أمومتكِ الأولى ،و حياتكِ العملية ، أن أمنحكِ خلاصة تجربتي في الدنيا ، أن أمنحكِ على طبقٍ من ذهب كلّ ما قاسيت لتعلّمه، لكن وصولكِ تأخر ، و ربما يتأخر أكثر ، و ربما لا يمهلني العمر لكثيرٍ معكِ ، و إن كنتُ أحسن الظنّ بالله تعالى ، لكن لو لم يكتب الله لي تعالى ذلك ، فأبدى و أهمّ ما أوصيكِ به يا صغيرتي هو أن تكوني مع الله ، يكن معكِ ، كان الله معي كثيراً كثيراً يا صغيرتي ، لا تبتأسي ، و لا تقنطي من رحمة الله ، و لا تفقدي الأمل به أبداً أبداً أبداً ، كوني على يقينٍ دائم أنه سبحانه لا يخذل عباده المؤمنين ، فقط آمني به يا حبيبتي ، أطيعيه ، مهما صعبت المغريات و كثرت التحدّيات ، تذكّري أنّ الجنّة حفّت بالمكاره و النار بالشهوات ، أحبّي الله قبل أن تخشيه ، أحبيه و ارجيه ، و صلّي ، صلّي ، صلّي ، في كلّ وقتٍ يسنح لكِ توضّئي و صلّي ، ليست الفروض فقط ، احرصي و لو لشيءٍ بسيط أن تجدي لكِ وقت خلوةٍ مع الله جل و علا كلّما حطّ إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير كلّ ليلة ، أسكني القرآن قلبكِ ، ليظلّ حيّاً عامراً ، و اعلمي أنّ الصدقة تدفع البلاء عن أهلها ، و الصوم يباعد بين صاحبه و بين النار سبعين خريفاً عن كلّ يوم ، و ادعي لي يا ابنتي ، دعاء الوالدين من برّهما ، و أنا سأحتاجه ، سأحتاج عملاً لا ينقطع يا صغيرتي ، فلا تبخلي عليّ به .

    يا ابنتي ، كوني سعيدة ، سعيدة ، و ابحثي عن السعادة في كلّ شيء فهي لا تبحث عنّا ، كوني جميلةً ترَي الوجود جميلا ، الزمي الفأل و ابتعدي عن التشاؤم و السوداوية .

    غذّي عقلَكِ كثيراً ، و اقرئي ، اقرئي ، و تخيّري ما تقرئين ، و اسألي الله دوماً علماً نافعاً .
    اسعي إلى المثالية دوماً و إن لم تحققيها .

    أشغلي نفسك بالطاعة فلا يبتليك الله بالمعصية . و ليكن لسانكِ رطباً من ذكر الله .

    احفظي قلبكِ لمن يستحقه بالحلال ، و خذي عني نصيحة جدّكِ لي قبل خروجي لعالم العمل ( اعلمي يا ابنتي أن الرجال ذئاب ذئاب ذئاب ) ، اعلمي يا صغيرتي أن الرجل مهما بلغ من صلاح يستحقر المرأة التي لا تعزّ نفسها ، و يتحوّل لديها إلى ذئبٍ يسترخصها – إلا من رحم الله – ، كوني امرأةً عزيزةً أبيّةً ليست سهلة المنال ، احفظي قلبكِ الطاهر للعفيف الذي يستحقه ، و حين تجدينه و تستخيرين الله في أمره و تطمئنين إليه ، امنحيه كلّ ما أردتِ و بقصدٍ و عدلٍ دون إفراطٍ أو تفريط ، و أيضاً لا تدعيه محور حياتكِ ، امشي إلى جواره لا متّكئةً عليه ، حتى إذا رحل لا تسقطين ، لا تعيشي حياتكِ في هاجس الخوف من رحيله ، أحبّي نفسكِ قبل أن تحبّي أيّ شخصٍ آخر ، و إياكِ إياكِ يا ابنتي أن تغرقي في شبرِ حب !

    أيتها الصبية الجميلة ، اعلمي أنّ الجمال شعورٌ يشعّ من داخل الفتاة ، فينعكس على من حولها فيرون أنها جميلة ، لا تسألي أحداً ( هل أنا جميلة ؟ ) ، ثقي بشعوركِ أنتِ و ليكن دائماً إيجابياً دونما غرورٍ يعيق بينكِ و بين الاستماع للنصح و التطوّر على أساس الجيّد منه .

    اعملي ، و أنتجي ، و كوني فخراً لوطنكِ و دينكِ ، و تذكري دوماً أن القناعة كنزٌ لا يفنى ، و أننا أخيراً ( لله و له راجعون ) .

    مع كلّ حبّي و أطيب أمنياتي
    أمّكِ

  3. رد

    نِهال عبدالرحمن

    مايو 14, 2016

    أقرأ التدوينة من أمنا الألكترونية و أعد نفسي كأبنتك
    كما كتبتي التدوينة بالدموع قرأتها بالدموع أيضا
    “وتذكر أن الخطأ جزء من تجربتنا البشرية المحضة، تذكر أن الخطأ في الإسلام ليس مكان مظلم أو موحش لارجعة منه، الخطأ في دينك يابُني باب كبير للاستثمار الناجح وستلحظ ذلك في كثير من آيات القرآن” ❤
    شكرا أمنا على كل الجمال و الحكمة التي تنثرينا هنا و هناك طيلة السنوات الماضية
    نحبك كل الخير لك و لأبنائك يارب

Leave a comment

Related Posts

لمحة

بكل عاديتي وبساطتي وتعقيدي أكتب وأدوّن حتى أنمو أولاً ومن أجل الأثر ثانياً. مدوّنة نوال القصير عمرها طويل فقد ولدت في عام ٢٠٠٦ تعثرت كثيراً وهُجرت أيضاً ولكنها شهدت أعوام من الالتزام بالكتابة. تطوّرت وتراجعت ثم عادت للحياة مرات كثيرة كنبتة جفّت ثم انعشها المطر. أكتب عن الكتب والقراءة، عن كل المفاهيم والقيم التي أعيشها أو أرغب العيش بها ومعها. مدونة للأيام الجيدة والسيئة.

موصى بقراءته