فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ .

Date
سبتمبر, 30, 2011

 

سأبدأ سلسلة تدوينات متصلة عن سورة الكهف والمعاني التي استخلصتها والأفكار من تأملي لها، كتبت زؤوس أقلام هذه السلسلة في رمضان ، وسأسعى لإدراج تدوينة أسبوعيا ويوم الجمعة خصيصا حتى لا ننسى الكهف.

هذه التدوينات مهداة إلي صحيفتي يوم القيامة.. مهداة إلى شعب تويتر وأخص الذين دفعوني للبدء بها، مهداة إلى الأمة الإسلامية الغارقة في التفاصيل والشخوص،، مهداة إلى كل مشروع نهضة حي. وإلى كل مشروع تغيير شخصي أو عام.

سورة الكهف مشروع تغيير دائم، ومستمر. نقراها اسبوعيا ونجد فيها مفاهيم وثوابت يجب ان ترافقنا في عملية التغيير للافضل دائما. عملية التغيير في النفس، في العائلة، في العمل، في المجتمع.. في العالم أخيرا.. سورة الكهف بمثابة الكشاف ذو قوة إضاءة عالية لأسبوع المؤمن. فيها من كل شيء ومن كل مثل، سورة الكهف قصة الحضارة وقصة التمكين وقصة التغيير،قصة اليقين والقدر، قصة الأفكار لا الأشياء ولا الأشخاص. قصة الفحوى لا التفصيل. سورة الكهف مأوى.. لذلك استحقت أن نقرأها دوريا بتمعن لا بسرعة، لذلك استحقت أن تكون نورا يقيلك من العثرات، لذلك استحقت ان يكون فيها مايعصم من فتن أخرى و  الفتنة الكبرى فتنة المسيح الدجال.. فتعالوا معي نأوي إلى الكهف ..

(١)

الخوض في التفاصيل غير مجدية، وبطريقة جدلية تقتل فكرة المووضع كله، تذيب الفائدة من الموضوع بأساسه.. هذا ما لمسته في آيات من سورة الكهف.

وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا * سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا.

في قصة فتية الكهف، عظة عظيمة.. ودرس ورسالة مباشرة من الله. والله عز و جل، يرسل لنا الخلاصة. ونحن نأبى إلا أن نجادل في ما لايُجادَل فيه، وفيما لا ينفع ! أرأيت تصرف القوم في الآيات ؟ هذا يشبه تصرفنا كثيرا حيال قضايا كثيرة.. أرأيت كيف أن الله قال: أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها ) ولكن يتنازعون حول تفاصيل غير مجدية.. يتنازعون حول مايفعلونه بهم هل يبنون بنيانا ، أو يبنون مسجدا.. ثم يستمر الجدل عبر القرون، سيقولون المنشغلون بالتفصيل عن الجوهر ٣ و رابعهم كلبهم وسيرد آخرون جدلا أنهم خمسة وسادسهم كلبهم ، وستظهر فئة ثالثة أخرى تقول أنهم خطأ وأنهم كانوا سبعة وثامنهم كلبهم.. إنها البشرية حين لا تزن تصرفاتها، إنه الانفصال عن الموضوع إلى ما حول الموضوع. في حين أن الله قال وبكل وضوح أنه جعل قصة أصحاب الكهف وان الناس تعثر عليهم عظة وعبرة خلاصتها وجوهرها ولها أن وعد الله حق وأن الساعة قائمة لاريب فيها، لكن يأبى الانسان إلا أن يهمل كل هذا ويتجادل حو عددهم، وكم لبثوا وكيف يتعاملون مع موتهم وبأي شكل ! هذه التفاصيل التي لاتسمن ولا تغني ، ولا تجدي.. هذا التفاصيل التي تجعل الذهن مشتت عن المغزى، هذه التفاصيل التي تقود الانسان إلي طريق مظلم،، هذه التفاصيل والانشغال بها مهلكة حقيقية.

هذا التصرف لم ينقرض، انه يتوالد ويتناسخ.. نراه في انفسنا وفي قضايانا، نراه في تصرفات الاخرين حيال مانطرح، وتصرفاتهم حيال ما يطرحه الآخرون. نكون في موضوع ثم نحوم حول التفاصيل، نكون في فكرة ثم ننتقل الى الشخص بدل الفكرة، نتحدث عن فكرة جوهرية فتأتي ردود عجيبة عن تفصيلات أقل ما يقال عنها أنها مضحكة ، وسخيفة فما بالك أن يتلفت لها ويناقش فيها ! أناس يناقشون قضية ما، فيها عبرة ما فتجد أسئلة واعتراضات ليس على الجوهر انما علي تفاصيل جدلية .. هذا التصرف الغير موزون انتقده القرآن بشكل غير مباشر في سورة الكهف، والتي يفترض انها وقاية من الفتنة.. لذلك أفهم أن كل هذه التصرفات والانشغال بالتوافه أمر قد يؤدي بالانسان الي الالتفات للفتن والجدل العقيم، إنه يصرف عقل الانسان وروحه عن هدفه الاساسي، انه يصرفه عن رسائل الله التي يتلقاها يوميا -بشكل شخصي- . انه يصرف الامة كلها عن النهوض، والبقاء طويلا طويلا في فلك التفاصيل والاعداد والكم والمظهر.

في الكهف وصية بعدم الاهتمام والالتفات للتفاصيل الغير مجدية وعدم الانشغال بها.  ذلك أن القرآن بمجمله يمر على ذكرها مرور عادي وعابر في غالب الأحيان إلا إذا كانت هناك حاجة ملحة للتفاصيل. ويوصي بعدم الالتفات لها -في اكثر من موضع- عن الاشياء الرئيسية، عن الأشياء الحاسمة ، عن الأشياء القادرة على تغييرنا فعلا..

لنتعلم أن نمرر الأمور التي لا فائدة من الجدال فيها، لنتعلم أن هناك أمور ليس من الضروري أن نقحم ردنا ورأينا فيها.. لنتعلم أن هناك أمورا من الأفضل غض النظر والبصر عنها، ولنبقى في الفكرة ، الفكرة فقط ولا شيء غير الفكرة.

نوال القصيّر

4 Comments

  1. رد

    بشرى ~

    سبتمبر 30, 2011

    نحتاج , نتعطش, لأن نعي أن القرآن لا تفتح صفحاته إلا بعد ما نفتح نحن صفحات قلوبنا
    لنعي,لنفهم,لتستوقفنا الآيات والأفكار~
    كما فعلت تلك الآية التي ذكرتِها هنا فاستوقفتني~
    استمري أمل ونور على نور يارب =)

  2. رد

    fatoom_mohd

    سبتمبر 30, 2011

    يالله يانواال …

    أخيرا ..شاف الموضوع النور ..من أول ماحكيتي عنه بتوتر وانا انتظره …

    دايما لما اقرأ الكهف اذكرك …شكرا نوال

  3. رد

    AlNuha

    أغسطس 5, 2016

    سبحان الله موضوع الإجمال والتفاصيل أراه في القرآن كاملًا، كيف احتوانا جميعًا..
    كيف ضمّنا شرعه؟
    ..
    كالعادة انهمار نورك يُبكي روحي فرحًا وحمدًا ❤️

  4. رد

    دلال

    ديسمبر 23, 2016

    جميلة.. حروف من نور أضاءت وأنارت جمعتي. سلمتِ

Leave a comment

Related Posts

لمحة

بكل عاديتي وبساطتي وتعقيدي أكتب وأدوّن حتى أنمو أولاً ومن أجل الأثر ثانياً. مدوّنة نوال القصير عمرها طويل فقد ولدت في عام ٢٠٠٦ تعثرت كثيراً وهُجرت أيضاً ولكنها شهدت أعوام من الالتزام بالكتابة. تطوّرت وتراجعت ثم عادت للحياة مرات كثيرة كنبتة جفّت ثم انعشها المطر. أكتب عن الكتب والقراءة، عن كل المفاهيم والقيم التي أعيشها أو أرغب العيش بها ومعها. مدونة للأيام الجيدة والسيئة.

موصى بقراءته