الآية الحادية والعشرون ( لا تدري … )

Date
أغسطس, 11, 2011

 

 

الأمور التي نستاء جدا لما آلت عليه كثيرة ، أكثر من أن نعدها في حياة أحدنا.. الأمور التي لم تكمل طريقها للنهاية، رغم أنها بدت براقة عند البدء.. الأمور التي ظننا لوهلة أنها أصبحت لنا وستجري نحو نهاية سعيدة، الأمور التي فاجئتنا في منتصف الطريق بتخليها عنا وانعطفت نحو مكان آخر / شخص آخر.. هذه الأمور حين تنتهي نهاية غير مابدأت به، تظل تقتات على إيماننا، وتغذي خيباتنا، وتعظم شأن خذلاننا من الحياة. هذه الأمور التي حدثت بدءا ثم لم تكتمل للنهاية، أو لربما غرقنا في وضع ظننا أنه لا فكاك منه، تأكل من طاقتنا التي نواجه بها الحياة، الطاقة التي نسعى بها. الأمور التي ……. لحظة ! أنت لا تدري.. فعلا لا تدري كيف تؤول الأمور مجددا.. لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا..

أي والله ، إننا لا ندري، ولا نعرف ولا نعلم.. لا ندري ما يحدث بالغرفة التي بجانبنا ، ولا نستطيع أن نسمع ما يقال في بيت جيراننا أؤ مايقال سرا في باطن أحدهم، ولا نستطيع أن ندرك ما ذا يحصل خارج نطاق رؤيتنا وحواسنا. لا ندري..

كم من أمر ساءك ماحدث له،، كم من أمر ظننت أن منه لا فكاك، وأنك باق ٍ على هذا الوضع حياتك كلها، كم من الأشياء التي حُسم فيها قرار ما، من جهة عليا ما في بيتك في جامعتك في مقر عملك، في دولتك ! كم من الأمور التي ظننت أنها ولت بلا عودة،، ثم بعد ذلك وفي مدة لا نعلمها ولربما كانت أقصر من يأسنا، تنقلب الأمور رأسا على عقب، فكان ما يعلم الله وما يريده.. أن أحدث سبحانه بعد ذلك أمرا..

لو كنت سأعنون الأسبوعين الماضيين بآية، لعنوتها بهذه الآية.. أمور تحدث لي كنت أظن أنه لا مناص منها، وأن القرار قد حسم أصلا.. وأني سأظل هكذا، أرقب الأشياء وهي ذاهبة،، لكنها تبرز أمام عيناي دائما هذه الآية. وكان ما أراد الله، ليريني حكمته، وأني لا أدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا..

أنت لاتدري،، وأنا لا أدري ماذا سيكون بعد ذلك.. كم من أمر ولّى فعاد، كم من حزن طال بقاؤه فحل محله اطمئنان، كم من فرصة بدت مثالية فطارت بفعل فاعل ثم عرفت طريقها إليك مرة أخرى.. كم من ظروف دفعتك لحافة اليأس فجاءت أخبار من الجهة المقابلة للحافة ودفعتك لعمق الأمل؟ أنا وأنت لا نعلم، لا نعلم ما يكتبه الله لنا، ولا نعلم كيف يكتب القدر، لكننا نعلم أن الله قادر علي تغيير الأمور لصالحنا ونعلم أنا لله يريد بنا الخير، لا نعلم إن كانت النهاية بدأت سريعا أم أنها مجرد بداية لنهاية سعيدة خالدة. مهما بدت الأمور معقدة، ومهما طرقنا اليأس قبل أن يطرق بابنا، ومهما بدا أن الأمور انتهت بهذه البشاعة، تذكر نافذة مضيئة جدا جدا، مكتوب عليها: لاتدري .. لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.. نقولها حين نغلق النور لنركن إلى أسرتنا من الحزن والقهر.. لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ،، نقولها حين نريد أن نعيد تثبيت يقيننا الذي بدأ بالاهتزاز. نقولها في حديث مواساة لصديق حزين.. نقولها مع ( ربتة ) على كتف مهموم ، نقولها حين الخذلان وحين الإحباط وحين الخيبة.. نقولها دائما وأبدا.. لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

* لا أستطيع إيقاف نفسي من تريديد هذه الآية، سحر لغوي فاتن جدا جدا. على الرغم من أنها كلمات عادة نتناولها ، ولكن لأنها من الله، وفي كتابه الحكيم بدت مختلفة جدا جدا، وساحرة جدا جدا، وعذبة جدا جدا.. وفي نسق خاص جدا جدا.. إنه معجزة !

نوال القصيّر

13 Comments

  1. رد

    روح قلم

    أغسطس 11, 2011

    :hug?:

    بديعة نوال 🙂
    لديكِ حس جميل في إنتقاء الآيات ، وتدبركِ لها r5 مثيرررر

    ربي يوفقك لمَ يا يُحب ويرضى يا جميلة

  2. رد

    haneen

    أغسطس 11, 2011

    رائع جدا….
    فعلا…لا تدري…لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا….
    صدق الله العظيم ….العليم بما نريد…البصير بما هو الخير لنا!
    جزاك الله خيرا…
    فما كان أحوجني لهذه الكلمات….
    الحمد لله

  3. رد

    بلسم

    أغسطس 12, 2011

    ماأعذب قراءتك للآية يانوال.. شكرا من القلب r5

  4. رد

    أنفاس الرحيل

    أغسطس 12, 2011

    استشعار جميل جدًا !

    ما أجمل هذا الكتاب حين يكون ربيع قلوبنا، فيه الشفاء والسكينة والأنس!
    هو منهج حياة !
    فقط نحتاج لقرب منه، ويقين ()

    و

    “أعلم أنّ الله على كل شيء قدير”

  5. رد

    يمامة الروض

    أغسطس 12, 2011

    الحمد لله :h: ..
    ليلة البارحة وقفت على هذه الآية في ثنايا حديث سيد قطب ..
    تأملتها ، فتنفس في قلبي ضوءٌ لازلت أتعهده مُنذ وَعيت هذه الحياة ..
    على رَغم ضعفه .. إلا أنهُ باقٍ ما بَقيَ في القلبِ إيمانٌ ويَقين ..

    ..
    شكراً لكِ ..
    وبلّغكِ الله غاية الأماني العِذاب :h: …

  6. رد

    ابراهيم

    أغسطس 12, 2011

    كلمة ابداع قليلة بحقك
    صدقاً ينتابني شعور غريب كأني لأول مرة اقرأ هالآية !
    جعلني انظر لمشكلتي من منظور مختلف.
    الله يكتب لك الاجر.
    تحياتي ..

  7. رد

    Ana Ka Fatma

    أغسطس 15, 2011

    منذ أن مرت بي حادثة عظيمة، كنت فيها بين الجموع الغفيرة من الأهل والأحباب نتجرد من الدنيا للدعاء الشديد والذي لا يخرج من الأفواه بل من القلوب الوجلة، ومن الجروح التي تمزقت بنا ونحن على عتباب خوف عظيم بفقدان عمود الكون لدينا جميعاً، كان والدي يرقد على السرير الأبيض والكل حوله في رعب قاتم، كنت أظن أنا لن نخرج من كل هذا، كأن الكون أسود ووقعنا في أسفل سافلين في الوجع المقيم، كل الأسباب الكونية تدعو لتنبؤ الفقد والخوف والجزع، ولكن الله أحدث فينا وفي قلوبنا أمراً، بسلامته، بصحته، بالنبض في قلبه من جديد..
    قرأت ما كتبت، وبكيت وتركت الصفحة، مرت أيام، وأصابت صديقتي القريبة (معضلة) أو ظنناها معضلة، خفت عليها من كل شيء .. فتجلت حين التقينا مخاوفي، بأن الله قد أحدث في قلبها أمراً، نثر الطمأنينة في قلبها، يقين عظيم شاسع من سعة الله وفضله عليها وعلينا أجمعين ..
    القرب من كتاب الله، وتأمل آياته الكريمة، تجعلنا في المركب نبحر، بأمان بإذن الله، حتى لو غطتنا وطغت علينا مخاوفنا البشرية..
    نوال .. أحب حرفك، وأحبك في الله 3>

  8. رد

    مشاغبة !

    أغسطس 16, 2011

    يعطيك حسنة يارب على كل حرف :hug:

    امم ع فكرة مقك نفس مقي :h3

  9. رد

    شيخة

    أغسطس 22, 2011

    رائع كل ما تكتبين
    ورائع هو ما كتبتِ هنا
    كلّنا نقع في تلك الدوامة
    فرص جاءت فرددناها أو رحلت
    و أٌخر لم تعرف الوصول إلينا
    كنت دائما ما اردد ” اللهم لا مانع لما أعطيت و لا مُعطي لما منعت”
    وحديث الرسول صلى الله عليه و سلم ” وإعلم أن الأمة لو إجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك…”
    كلَ فرصة بدت قريبة لكن لم تصلك فإنها لم تُكتب لك
    إطمئن ,,,,تلك الفُرص التي كتبها الله لك , سترفرف عالياً لتحُطّ بين يديك , فقط حسن ظنٍ بالله مع صبر و ستفرح حتى تسعد بإذنه تعالى

  10. رد

    أحمد

    أغسطس 30, 2011

    ياااارب…..
    صيحتيني يانوال في هالعيد السعيد

  11. رد

    Remo

    مارس 17, 2013

    رآآئــع بارك الله فيكِ وجزاكِ كل خيـر وما تتمنيه 😉 😉
    وصدق قول ربي “(( لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا )) “

  12. رد

    H

    يونيو 22, 2016

    أحب تأملاتك القرآنية حتى وأن كانت كلام أعرفه
    لكن لها وقع بالنفس ..

  13. رد

    شوق

    أغسطس 27, 2016

    كلامك يصف تمامًا مابداخلي وجاء في وقته ، شكرًا نوال على دفء كلماتك و شكرًا لنشرك إياها .

Leave a comment

Related Posts

لمحة

بكل عاديتي وبساطتي وتعقيدي أكتب وأدوّن حتى أنمو أولاً ومن أجل الأثر ثانياً. مدوّنة نوال القصير عمرها طويل فقد ولدت في عام ٢٠٠٦ تعثرت كثيراً وهُجرت أيضاً ولكنها شهدت أعوام من الالتزام بالكتابة. تطوّرت وتراجعت ثم عادت للحياة مرات كثيرة كنبتة جفّت ثم انعشها المطر. أكتب عن الكتب والقراءة، عن كل المفاهيم والقيم التي أعيشها أو أرغب العيش بها ومعها. مدونة للأيام الجيدة والسيئة.

موصى بقراءته